وأما قوله: "ما لم يدع الوارث على غيرهم" فوجهه ظاهر لعدم وجود ما هو المناط وهو التهمة.
وأما قوله: "أو معينين" فقد قدمنا الكلام عليه في أول الباب.
قوله: "فله أن يختار" إلخ
أقول: الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما من حديث سهل بن أبي حثمة ورافع ابن خديج وغيرهما بألفاظ ليس فيها إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فتبرئكم يهود بخمسين يمينا"، [البخاري "٣١٧٣"، مسلم "١/١٦٦٩"] ، وفي بعضها: "فيحلفون"، [البخاري "١٢/٢٢٩"] ، وليس في هذا ما يدل على أن لمدعي القسامة أن يختار لليمين من أراد وهكذا في قسامة أبي طالب ليس فيها أنه اختار الخمسين بل طلب أيمان خمسين فالظاهر أن المتهمين يحلف منهم خمسون يعينونهم من أنفسهم وليس للمدعي إلا ذلك.
وأما اشتراط أن يكون الحالفون من مستوطنيها الحاضرين وقت القتل فوجهه أن مناط القسامة التهمة ولا تهمة على من لم يحضر وقت القتل.
وأما اشتراط كونهم أحرارا فوجهه أنهم يدفعون عن أنفسهم باليمين لزوم الدية ولا يلزم العبيد من ذلك شيء فلا يمين عليهم.
وهكذا اشتراط كونهم ذكورا لأن التهمة لا تتعلق بالنساء وأما استثناء المريض والمدنف فوجهه أن التهمة غير متعلقة به فهو كمن لم يحضر.
قوله: "يحلفون ما قتلناه ولا علمنا قاتله".
أقول: قد ثبت في صحيح البخاري "٧/١٥٥"، في قسامة أبي طالب التي أقرها الشرع بلفظ: "وإن شئت حلف خمسون من قومك بأنك لم تقتله" فهذا يدل على أنه لا بد أن يحلف الخمسون على أن المعين لم يقتله أو على أنهم لا يعلمون له قاتلا حيث لم يكن معينا وهذا من جملة ما ورد خاصا بالقسامة فإن اليمين على أن المعين لم يقتله وبعد وقوع الدعوى عليه لا يكون إلا باعتبار الرجوع إلى الأصل وهو عدم صدور الفعل من المدعي عليه وفيه ما فيه.
قوله: "ويحبس الناكل حتى يحلف".
أقول: قد قدمنا أن إيجاب اليمين عليهم لأجل إسقاط الدية على ما قررناه من أنه لا دية عليهم بعد حلفهم فمن نكل منهم خوطب بتسليم نصيبه من الدية كما يخاطب من نكل عن اليمين في سائر الحقوق ولا وجه للحبس لأنه قد يكون فيه إكراه عن اليمين الفاجرة.
قوله: "ويكرر على من شاء إن نقصوا".
أقول: قد تقرر أن أيمان القسامة خمسون فحيث لا يتم إلا بالتكرار على بعض من حلف كان ذلك حقا للمدعي لأنه سيترتب على كمال القسامة وهي الخمسون اليمين سقوط الدية ولكن ليس له أن يختار من تكرر عليه اليمين كما قدمنا لأنه ليس له أن يختار من يحلف بل لهم أن يعينوا من يكون التكرار عليه.