أقول: أما الإمارة والسلطنة فلا مانع من ذلك ولا ورد في الشرع ما يدفعه بل ورد ما يقويه ويؤيده كما في الأحاديث الصحيحة المصرحة بطاعة السلطان كان عبدا حبشيا وقد أمر صلى الله عليه وسلم مولاه زيد بن حارثة وكذلك ولده أسامة بن زيد على أكابر المهاجرين والأنصار كما ذلك معروف في كتب الحديث والسير وأما الإمامة فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم منصبها وصرح بما يصلح لها كما سيأتي.
قوله:"علوي فاطمي".
أقول: العلوي الفاطمي هو خيرة الخيرة من قريش وأعلاها شرفا وبيتا ولا ينفي ذلك صحتها في سائر بطون قريش كما تدل عليه الأحاديث المصرحة بأن: "الأئمة من قريش" وهي كثيرة جدا وإن لم تكن في الصحيحين بل عددها في كل مرتبة من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم زيادة على عدد المتواتر والمتواتر قطعي ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين [مسلم ١٨١٩"، وغيرهما أحمد "٣/٣٨٣، ٣٧٩، ٣٨٣"] ، من طرق أن الناس تبع لقريش في الشر والخير وقد بين هذا الخير والشر بقوله صلى الله عليه وسلم: "قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة"، كما في حديث عمرو بن العاص عند الترمذي "٢٢٢٧"، والنسائي وكما في حديث ابن عمر في الصحيحين [البخاري "٢١٩٥، ٧١٤٠"، مسلم "١٨٢٠"، وغيرهما أحمد "٢/٢٩، ٢/٩٣، ١٢٨"] ، بلفظ: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان"، وهو مروي من طريق غيره في الصحيح [البخاري "١٣/١١٣، ١١٤"] ، أيضا.
فهذه الألفاظ تدل على أن المراد الإمامة الإسلامية وأما أمر الجاهلية فقد انقرض ومن جملة ما يدل على هذا أحاديث: "الأئمة من قريش"، كما ذكرنا ومن جملة ما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة بعدي ثلاثون عاما ثم ملك بعد ذلك"، وهو حديث حسن ومعنى الخلافة معنى الإمامة في عرف الشرع وهؤلاء الذين نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلافتهم هم الخلفاء الأربعة وليس المراد بالإمامة هنا هو المعنى اللغوي الشامل لكل من يأتم به الناس ويتبعونه على أي صفة كان بل المراد الإمامة الشرعية ومن هذا قول أبي بكر يوم السقيفة محتجا على الأنصار إن العرب لا تعرف هذا الأمر لغير هذا الحي من قريش [البخاري "٧/١٩، ٢٠"، أحمد "١/٥٥، ٥٦"] ، وقد حكى القاضي عياض والنووي الإجماع على أن الخلافة مختصة بقريش لا تجوز في غيرهم.
قوله: "سليم الحواس والأطراف".
أقول: وجهه أن المقصود بالولاية العامة هو تدبير أمور الناس على العموم والخصوص وإجراء الأمور مجاريها ووضعها مواضعها وهذا لا يتيسر ممن في حواسه خلل لأنها تقتضي نقص التدبير إما مطلقا أو بالنسبة إلى تلك الحاسة.
وأما سلامة الأطراف فلا وجه لاشتراطها فإن الأعرج والأشل لا ينقص من تدبيره شيء