سبحانه:{انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً}[التوبة: ٤١] ، ويدل على عدم وجوب الجهاد على الجميع قوله عزوجل:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}[التوبة: ١٢٢] ، فتحمل هذه الآية على أنه قام بالجهاد من المسلمين من يكفي وأن الإمام لم يستنفر غير من قد خرج للجهاد وبهذا تعرف أن الجمع بين هذه الآيات ممكن فلا يصار إلى القول بالترجيح أو النسخ.
وأما قوله:"ولكل واجب" فوجه ذكره ها هنا استيفاء ما يجب الخروج له أو يندب وإن كره الولدان ما لم يتضررا ولا يخفاك أن الواجبات مختلفة فمنها ما لا يتم القيام به إلا بالخروج إليه كالجهاد والحج والهجرة ونحو ذلك وكل واحد من هذه وجوب الخورج له مقيد بقيود مشروطة بشروط هي مقررة في مواطنها وأما ضم الخروج للمندوبات إلى الخروج إلى الواجبات مع كراهة الأبوين فغير صواب لأن تجنب ما يكرهانه واجب فكيف يخرج للمندوب مع كراهتهما لخروجه وكيف يجوز ذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في صحيح [البخاري "٣٠٠٤"، وغيره مسلم "٢٥٤٩"، أحمد "٢/١٨٨، ٢/١٩٣، ١٩٧، ٢٢١"، النسائي "٦/١٠"، الترمذي "١٦٧١"] ، من حديث عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: "أحي والداك؟ "، قال: نعم قال: "ففيهما فجاهد"، وأخرج أحمد "٢/١٦٠، ١٩٤، ٢٠٤"، وأبو داود ٢٥٢٨"، والنسائي "٧/١٤٣"،وابن حبان من حديثه أيضا أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أريد الجهاد معك ولقد أتيت وإن والدي يبكيان, قال: "فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما"، وأخرج أبو داود "٢٥٣٠"،وصححه ابن حبان من حديث أبي سعيد أن رجلا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال: "هل لك أحد باليمن؟ "، فقال: أبواي فقال: "أذنا لك"، قال: لا, قال: "ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما"، وأخرج أحمد "٣/٤٢٩"، والبيهقي والنسائي "٦/١١"، من حديث معاوية بن جاهمة السلمي أن جاهمة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت الغزو وجيئتك أستشيرك, فقال: "هل لك من أم؟ "، قال: نعم فقال: "الزمها فإن الجنة عند رجليها".
وإذا كان هذا في الجهاد الذي هو سنام الدين وأساسه فما بالك بما عداه من الواجبات فضلا عن المندوبات وقد ذهب الجمهور إلى وجوب استئذان الوالدين للجهاد وجزموا بتحريمه إذا منعا منه أو أحدهما لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية.
[فصل
وإليه وحده إقامة الحدود والجمع ونصب الحكام وتنفيذ الأحكام وإلزام من عليه حق الخروج منه والحمل على الواجب ونصب ولاة المصالح والأيتام وغزو الكفار والبغاة إلى ديارهم وأخذ الحقوق كرها وله الإستعانة من خالص المال بما هو فاضل عن