للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا الإمام ما أجلبوا به من مال وآله حرب ولو مستعارا لذلك إلا غصبا ولا يجوز ما عدا ذلك لكن للإمام فقط تضمينهم وأعوانهم حتى يستوفي الحقوق ولا ينقض له ما وصفوه من أموالهم في قربة أو مباح مطلقا أو محظور وقد تلف وللمسلم أخذ ما ظفر به من مال لله معهم لنفسه مستحقا أو ليصرف] .

قوله: "فصل: والباغي من يظهر أنه محق" الخ.

أقول: قد جاء القرآن والسنة بتسمية من قاتل المحقين باغيا فقال الله عزوجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: ٩] ، وثبت في الصحيح أن عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية فالباغي هو من خرج من طاعة الإمام التى أوجبها الله على عباده ويقدح عليه في القيام بمصالح المسلمين ودفع مفاسدهم من غير بصيرة ولا على وجه المناصحة فإن انضم إلى ذلك المحاربة له والقيام في وجهه فقد تم البغي وبلغ إلى غايته وصار كل فرد من أفراد المسلمين مطالبا بمقاتلته لقوله سبحانه: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} [الحجرات: ٩] ، الآية وليس القعود عن نصرة المحق من الورع بعد قول الله عزوجل: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} .

والحاصل أنه إذا تبين الباغي ولم يلتبس ولا دخل في الصلح كان القعود عن مقاتلته خلاف ما أمر الله به وأما مع اللبس فلا وجوب حتى يتبين المحق من المبطل لكن يجب السعي في الصلح كما أمر الله به وليس من البغي إظهار كون الإمام سلك في اجتهاده في مسألة أو مسائل طريقا مخالفة لما يقتضيه الدليل فإنه ما زال المجتهدون هكذا ولكنه ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله وقد قدمنا في أول كتاب السير هذا أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن بغوا في الظلم أي مبلغ ما أقاموا الصلاة ولم يظهر منهم الكفر البواح والأحاديث الواردة في هذا المعنى متواترة ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله ويعصيه في معصية الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأما قوله: "أو منع منه" فوجهه أن المأمور إذا لم يدفع إلى الإمام ما يجب دفعه إليه فهو باغ من هذه الحيثية وهكذا إذا لم يطعه في واجب أوجبه الله عليه للإمام من جهاد أو ولاية بالحق أو نصيحة وهكذا إذا قام بما أمره إلى الإمام فإنه أقعد نفسه في المقعد الذي لا يصلح له إلا من ثبتت له الإمامة بمبايعة المسلمين فيكون من هذه الحيثية باغيا.

قوله: "وحكمهم جميع ما مر".

أقول: هذه الإحالة غير حسنة فإنه إذا لم يغنم من أهل البغي نفوسهم ولا أموالهم ولا يجوز فيهم الأحكام التي سيتذكرها كان غالب أحكامهم المخالفة لما مر في أحكام الكفار فلم يكن لهذه الكلية وجه لأنه لم يبق تحتها بعد الاستثناء إلا النادر من الأحكام.

<<  <   >  >>