وهذا القول بأن إراقتها عند نزول تحريمها إنما كان لقطع ذريعة شربها فإن هذا بعينه كائن في غير زمن الصحابة الذين هم خير القرون وهم أتقى لله من أن يكونوا مظنة لعدم امتثال ما قد نزل تحريمه عليهم من جهة الله سبحانه بل مثل هذه المظنة حاصل فيمن بعدهم من الفسقة المتمرئين على محارم الله عزوجل.
واما قوله:"وخمرا رآها أو لمسلم" فوجهه ظاهر إذا كان على بصيرة ولم يكن ذلك بمجرد الظن.
واما قوله:"ولو بنية الخل" فلا وجه له لأن هذا العصير لم يقصد به المعصية بل قصد به ما هو حلال جائز كما روي عنه صلى الله عليه وسلم أن الخل خير الإدام [مسلم: "١٦٧/٢٠٥٢"، أبو داود "٢٨٢١"، النسائي "٣٨٠٥"] ، وهكذا قوله:"وخلا عولج من خمر"، فإنه لا وجه له لما ذكرناه والأمر في هذا ظاهر.
قوله:"ويزال لحن غير المعنى في كتب الهداية".
أقول: وجه هذا أن بقاءه لا سيما مع مظنة أن يعمل به عامل ممن ليس له بصيرة كاملة منكر يجب على الواقف عليه أن يغيره بحسب الإمكان ومثل هذا داخل تحت أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه لم يخص صورة دون صورة ومن هذا قوله ويحرف دفاتر الكفر لأن بقاءها منكر لتجويز أن يقف عليها من يميل إلى شيء مما فيها وإذا أمكن تسويدها فقد حصل المطلوب ولم يبق فيها ما يجب قطع ذريعته وحسم مادته فإرجاعها لمالكها بعد التسويد متوجه لأنها باقية في ملكه وقد زال ما كان فيها من المنكر.
قوله:"وتمزق وتكسر آلات الملاهي" الخ.
أقول: وجه هذا هو ما قدمناه في إراقة الخمر وقد أخرج أحمد "٥/٢٥٧، ٢٦٨"، وغيره من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات - يعني البرابط - والمعازف والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية"، ولا يخفاك أن محقها تكسيرها وتمزيقها وإذا كان هناك في مثل آلات هذه الملاهي التي هي أقل مفسدة من عين الخمر فإراقة الخمر ثابتة بالأولى كما قدمنا وفي إسناد هذا الحديث علي بن زيد الشامي وقد تكلم فيه بعض أهل العلم بما لا يوجب طرح روايته وترك العمل بما جاء من طريقه
وأما كونه يرد من الكسور ماله قيمة فلا بد من تقييده بكونه لا يصلح لتجديد آلة أخرى لا كلا ولا بعضا.
قوله:"وبغير تمثال حيوان كامل" الخ.
أقول: الأدلة في تحريم التصوير كثيرة جدا وورد ما يدل على تغييرها على العموم سواء كانت تمثال حيوان أو غيره كما في حديث عائشة عند البخاري "١٠/٣٨٥"، وغيره قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئا فيها تصاليب إلا نقضه والتصاليب صور الصليب وفي لفظ في البخاري وغيره [أحمد "١٧/٢٨٥"] : "لم يكن يدع في بيته ثوبا فيه