يقتضيه الشرع باليد ثم باللسان ثم بالقلب وليس الممنوع إلا أن يحبه لأجل فسقه ومعصيته لا لأجل كونه رجلا من المسلمين ولا لأجل كونه رحما له وإذا كان مجرد الأخوة الإسلامية كافيا في جواز المحبة كان جوازها لخصال الخير والرحامة مما لا ينبغي أن يتردد فيه ولا يحتاج إلى النص عليه وقد قال الله سبحانه في الكفار:{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ}[الممتحمة: ٨] ، الآية.
قوله:"وتعظيمه والسرور بمسرته" الخ.
أقول: هذا يكفي في جواز كون الفاسق رجلا من المسلمين كما قدمنا ومعلوم وجود الأخوة الإسلامية بين المطيع والعاصي من المسلمين وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وقال:"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"، [البخاري "٢٤٤٢"، مسلم ط٢٥٨٠"، أبو داود "٤٨٩٣"، الترمذي "١٤٢٦"] ، والأحاديث [البخاري "٦٠٧٦"، مسلم ط٢٥٥٩"، أبو داود "٤٩١٠"، الترمذي "١٩٣٥"] ، في هذا الباب كثيرة وكذلك العمومات القرآنية.
وبهذا تعرف أنه لا وجه لتقييد الجواز بقوله:"لمصلحة دينية" وإنما الممنوع أن يعظمه لمعصيته وفسقه أو يسر بما يسر من خصال الشر التي هي من معاصي الله سبحانه.
قوله:"وتحرم الموالاة".
أقول: هذه الموالاة للفاسق هي واجبة من حيث كونه رجلا من المسلمين ومن حيث كونه أخا للمؤمنين كما يدل على هذا الحديث المتقدم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وهو في الصحيح ومعناه ثابت في الكتاب والسنة ثبوتا لا يخفى ولا يتحقق عدم جواز الموالاة إلا في موالاته لأجل ما هو عليه من الفسق والفجور.
وأما قول المصنف: "فيكون كفرا أو فسقا فتسرع إلى التكفير والتفسيق على غير بصيرة وهكذا لا تحرم محالفة الفاسق على حق ومناصرته حيث تحق المناصرة وذلك بأن يكون محقا فيما حولف به أو نوصر عليه وإنما الممنوع محالفته في باطل ومناصرته على ما هو عليه من الفسق,
وبهذا تعرف أنه لا بد من التفصيل في جميع ما ذكره المصنف ها هنا فإن قلت: إذا التبس علينا ما هو المقصود من هذه المداخلة للفسقة والمحبة والموالاة والمحالفة والمناصرة؟ قلت: يجب علينا حمل ذلك على المحمل الحسن والمقصد الصالح فإن هذا مع كونه الواجب علينا بأدلة الكتاب والسنة هو أيضا من أسباب الفوز بخير الدنيا والآخرة.
[وإلي هنا انتهي هذا المؤلف المسمي بالسيل الجرار المتدفق علي حدائق الأزهار بقلم مؤلفه محمد بن علي الشوكاني غفر الله له وكان الفراغ منه في ضحوة يوم الجمعة لعله سلخ شهر محرم من شهور سنة خمس وثلثين بعد المئتين والألف من الهجرة النبوية، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على رسوله خاتم المرسلين وعلي آله وصحبه الطاهرين] .