وأما ما ذكره المصنف من جواز الجمع للمشغول بطاعة فليت شعري ما هي هذه الطاعةالتي يجوز تأثيرها على الصلاة التي هي رأس الطاعات وهي أحد أركان الإسلام والتي ليس بين العبد وبين الكفر إلا مجرد تركها.
وأعجب من هذا وأغرب تجويز الجمع للمشغول بمباح ينفعه وينقص في التوقيت فإن جميع الناس إلا النادر يدأبون في أعمال المعاش العائد لهم بمنفعة وإذا وقتوا فقد تركوا ذلك العمل وقت طهارتهم وصلاتهم ومشيهم إلي المساجد فعلى هذا هم معذورون عن التوقيت طول أعمارهم ولهم جمع الصلاة ما داموا في الحياة وهذا تفريط عظيم وتسأهل بجانب هذه العبادة العظيمة وإفراط في مراعاة جانب الأعمال الدنيوية على الأعمال الأخروية وقد كان الصحابة رضي الله عنهم في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم يشتغلون بالأعمال التي يقوم بها ما يحتاجون إليه فمنهم من هو في الأسواق ومنهم من هو في عمل الحرث ونحوه ومنهم من هو في تحصيل علف ماشيته ولم يسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عذر أحدا منهم عن حضور الصلاة في أوقاتها ولا بلغنا ان أحدا منهم طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له لعلمهم بأن مثل ذلك لا يسوغه.
وأما التمسك بحديث جمعه صلى الله عليه وسلم في المدينة فهذا وقع مرة واحدة وتأوله كثير من الرأوين للحديث وحمله بعضهم على الجمع الصوري لتصريح جماعة من رواته بذلك.
وقد افردنا هذا البحث برسالة مستقلة وذكرنا في شرح المنتقي ما ينتفع به طالب الحق رحم الله الحافظ الترمذي فإنه صرح بأن جميع ما في كتابه معمول به إلا حديثين هذا أحدهما.
والحال أن كتابه قد اشتمل على ذكر ألوف مؤلفة من الأحاديث.
والحاصل أن الكلام في مثل هذا البحث يطول جدا وقد وقع فيه الخبط البالغ والخلط العجيب وتكلم الجلال في شرحه لهذا الكتاب في هذا الموضوع بما هو حقيق بأن يضحك منه وتارة ويبكي منه أخرى بل حقيق بأن يعد في لغو الكلام وسقطه وغلطه.
قوله:"بذان لهما وإقامتين".
أقول: يدل على هذا ما في حديث جابر الطويل عند مسلم ["١٤٧/١٢١٨"، أبو دأود "١٩٠٥"، النسائي "١/٢٩٠". ابن ماجة "٣٠٧٤"، صلى الظهر ثم اقام فصلى العصر.
وأخرج أبو دأود ["١٩٣٠ و ١٩٣١"] ، ما يخالف هذا ابن عمر قال جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء يجمع بإقامة واحدة لكل صلاة ولم يناد في الأولى وفي رواية [أبو دأود "١٩٢٨"] : "لم يناد بينهما ولا على إثر واحدة منهما إلا بالإقامة".
وفي البخاري [أحمد "١/٣٧٥"] ، عن ابن مسعود:"أنه صلاهما بإذان وإقامتين" وأخرج الدارقطني في قصة جمعه بين المغرب والعشاء فنزل فأقام الصلاة وكان لا ينادي لشيء من الصلاة في السفر.