وروي أيضا التثويب في صلاة الصبح من وجه صححه بعض الحفاظ وتكلم فيه آخرون فإن عملنا بأصح ما ورد فهو تشفيع الإذان مع الترجيع في الشهادتين وإيتار الإقامة إلا لفظ قد قامت الصلاة والتكبير في أولها وآخرها.
وإن سلكنا طريقة الجمع فيتعين العمل بالزيادة الخارجة من مخرج صحيح فيكون التكبير في أول الإذان أربعا وتكون الشهادتان مع الترجيح ثمانيا وسائر الألفاظ في الإذان مرتين مرتين إلا قول المؤذن "لا إله إلا الله" في آخره فإنه مرة واحدة ويزاد في صلاة الصبح لفظ التثويب وهو أن يقول المؤذن "الصلاة خير من النوم".
وتكون الإقامة مثنى مثنى إلا قول المقيم لا إله إلا الله في آخرها فإنها مرة واحدة فهذا حاصل ما ورد في الإذان والإقامة وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلي أن الكل سنة وأيها فعله المؤذن والمقيم فقد فعل ما هو حق وسنة قال أبو عمر بن عبد البر ذهب أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه ودأود بن علي ومحمد بن جرير الطبري إلي إجازة القول بكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وحملوه على الإباحة والتخيير قالوا كل ذلك جائز لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع ذلك وعمل به أصحابه فمن شاء قال:"الله أكبر" في أول الأذان أربعا ومن شاء ثنى ومن شاء ثنى الإقامة ومن شاء أفردها إلا قوله: "قد قامت الصلاة" فإن ذلك مرتان على كل حال انتهى.
وهذا الذي قالوه صواب كما قيل في التشهدات والتوجهات ولكن ذلك لا ينافي أن يختار الإنسان لنفسه أصح ما ورد أو يأخذ بالزائد فالزائد قال ابن القيم في الهدي ذاهبا إلي ما ذهب إليه أولئك الأئمة ومشيرا إلي ما اشرنا إليه ما لفظه أنه سن التأذين بترجيع وغير ترجيع وشرع الإقامة مثنى وفرادى لكن صح عنه تثنيه كلمة الإقامة قد قامت الصلاة ولم يصح عنه أفرادها ألبتة وكذلك صح عنه تكرر لفظ التكبير في أول الإذان ولم يصح عنه الاقتصار على مرتين وأما حديث أمر بلال أن يشفع الإذان ويوتر الإقامة فلا ينافي الشفع بأربع وقد صح التربيع صريحا في حديث عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب وأبي محذورة.
وأما أفراد الإقامة فقد صح عن ابن عمر استثناء كلمة الإقامة فقال إنما كان الإذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة.
وفي البخاري عن أنس أمر بلال أن يشفع الإذان ويوتر الإقامة وصح في حديث عبد الله بن زيد وعمر في الإقامة "قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة".
وصح في حديث أبي محذورة تثنية كلمة الإقامة مع سائر كلمات الإذان.
وكل هذه الوجوه جائزة مجزئة لا كراهة فيها وإن كان بعضها أفضل من بعض انتهى.
وبما أوضحناه لك في هذا البحث ترتفع عنك الإشكالات في هذه المسألة فقد طالت ذيولها وتشعبت طرائقها.