لا ما كان يقع على وجه واحد فليس ذلك إلا مجرد رأي محض والدليل قد دل على مشروعية النية على العموم لأنه وقع التعبد بها في كل عمل كما نطق به الدليل فينوي المؤذن والمقيم أن هذا القول الذي قصد له هو ما تعبده الله به وشرعه له وبهذه النية يخلص من كل وجه من الوجوه التي لم يقصدها الشارع ولا شرع الفعل لها.
وأما ما ذكره المصنف من أن الإذان والإقامة يفسدان بالنقص فوجهه أن الذي نقص بعض ألفاظ الإذان والإقامة لم يأت بالمشروع منهما فهو كمن لم يعقل ذلك وهكذا من عكس ألفاظهما.
وأما ما ذكره من أنهما لا يفسدان بترك الجهر فهذا إذا أذن لنفسه أوله ولمن هو حاضر لديه يسمع إسراره وأما إذا كان المؤذن داعيا إلي الصلاة معلما بدخول وقتها فهو لم يفعل ما هو المقصود من نصبه للتأذين وإن كان قد فعل المشروع له بخصوصه من الإذان لنفسه.
وأما عدم فساد الصلاة بنسيانهما فهو واضح لأنهما عبادة خارجة عن الصلاة التي تحريمها التكبير وتحليلها التسليم لا شرط من شروط كالوضوء فلا تفسد الصلاة يتركهما عمدا فضلا عن نسيانهما ولكن التارك لهما عمدا قد أخل بواجبين عليه كما قدمنا من أن الأدلة قد دلت على وجوبهما.
وأما كراهة الكلام حالهما فواضح لأنه اشتغال حال العبادة بما ليس منها وكذا الكلام بعدها لأن الإقامة للصلاة دعاء إليها بعد الدعاء بالإذان فالاشتغال بعد ذلك بغير الصلاة مما لا جدوى فيه من الكلام يخالف ما هو مدلول لفظ الإقامة لا سيما قول المقيم قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فإن ذلك متضمن للإخبار بقيامها ففعل شيء بعدها من كلام أو غيره يخالف هذا الإخبار وينافيه.
وأما ما ثبت في الصحيح ["٦٢٤، ٦٤٣"، أحمد "٣/١٨٢، ٢٠٥، ٢٣٢"] ، من حديث أنس قال أقيمت صلاة العشاء فقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم لي حاجة فقام إليه يناجيه فهذا هو من قضاء حوائج المسلمين لا من الاشتغال بما لا يغني من الكلام الذي ذكر المصنف كراهته وقد تكون هذه الحاجة التي طلب ذلك الرجل من النبي صلى الله عليه وسلم قضاءها مما لا ينبغي تأخيره ولو بمجرد ظنه صلى الله عليه وسلم كذلك عند قول القائل لي حاجة وقد يكون هذا الرجل من المؤلفين الذين لم يرسخ الإيمان في قلوبهم فأراد صلى الله عليه وسلم أن يتألفه بقضاء حاجته في ذلك الوقت.
قوله:"والنفل بينهما".
أقول: هذا دفع في وجه الأدلة الصحيحة ورد للسنة التي هي أظهر من شمس النهار فإنه قد ثبت مشروعية النفل بين الإذان والإقامة في جميع الصلوات كحديث: "بين كل إذانين صلاة" ثم ثبت مزيد لخصوصية النفل بين إذان المغرب وإقامته فورد بلفظ: "بين إذاني المغرب صلاة" وورد بلفظ: "صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين" وكرر ذلك ثلاثا وقال في الثلاثة "لمن شاء" وهو في الصحيحين [البخاري "١١٨٣، ٧٣٦٨"، مسلم "٨٣٨"] ، وغيرهما. وقال الرأوي معللا