للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها أن يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه ومنها أن: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" [البخاري "٢٤٤٢"، مسلم "٢٥٨٠"، أبو دأود "٤٨٩٣"، الترمذي "١٤٢٦"] ، وأي إسلام له أعظم من تركه يموت غرقا وهو بمرأى منه ومسمع وأين عمل هذا المصلي الذي آثر الاستمرار في صلاته على أخيه الذي صار في غمرات الموت بأحاديث المحبة منها "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا". [مسلم "٥٤"، أبو دأود "٥١٩٣"، الترمذي "٢٦٨٨"، ابن ماجة "٣٦٩٢"] .

فالحاصل أن هذا المصلي قد ترك أعظم الواجبات وارتكب أعظم المحظورات المنكرات واستمراره في صلاته منكر عظيم وقبيح شنيع فإن الله سبحانه قد طلب منه ما هو أهم من ذلك وأعظم وأقدم وهو يؤدي صلاته إذا كان في الوقت سعة وإذا ضاق عنها ولم يدرك شيئا منها فقد جعل الله القضاء لمن فاته الأداء بل يجب على المصلي ترك الصلاة والخروج منها فيما هو دون هذا بكثير وذلك نحو أن يرى من يريد فعل منكر كالزنا وشرب الخمر وهو يقدر على منعه والحيلولة بينه وبين ما هم به من المعصية وهو إذا استمر في صلاته تم لذلك العاصي فعل تلك المعصية فالواجب عليه الخروج من الصلاة وإنكار ذلك المنكر.

والحاصل أن هذه الشريعة المطهرة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد والموازنة بين أنواع المصالح وأنواع المفاسد وتقديم الأهم منها على ما هو دونه ومن لم يفهم هذا فهو لم يفهم الشريعة كما ينبغي والأدلة الدالة على هذا الأصل من الكتاب والسنة كثيرة جدا لا يتسع لها هذا المؤلف.

وقد ذكر الجلال ها هنا أبحاثا ساقطة البنيان مهدومة الأركان ليس في الاشتغال بدفعها إلا تضييع الوقت وشغلة الحير وإذا قد عرفت ما ذكرناه فيه تعرف الكلام على قوله: "أو تضيق وهي موسعة" وعلى قوله: "قيل أو أهم منها عرض قبل الدخول فيها".

ومما يؤيد ما حررناه لك في هذا البحث حديث جريج الثابت في الصحيح [البخاري"٢٣٥٠"، أحمد "٢/٣٨٥"] ، أنها دعته أمه وهو يصلي فقال اللهم أمي وصلاتي وتردد أيهما أقدم فعوقب تلك العقوبة والحال أن إجابته لأمه وقضاء حاجتها لا تفوت باستمراره في صلاته وإكمالها فكيف إذا كان الاستمرار في الصلاة يحصل به هلاك مسلم وكان الخروج منها محصلا لحياته.

وهذا وإن كان من شرع من قبلنا فقد حكاه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر ما يخالفه في شرعنا فكان شرعا لنا كما تقرر في الأصول.

<<  <   >  >>