أقول: أما كون هذا واجبا على الإمام فلم يدل عليه لأن صلاته قد بطلت فلم يبق إمأما وصلاة المؤتمين به إذا لم يتقدم أحدهم قد صحت فرادى.
وأما حديث ائتمام الناس بأبي بكر لما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ثم تقدم النبي صلى الله عليه وسلم وتأخر أبي بكر لما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت هذا في الصحيح [البخاري "٦٨٤، ١٢٠١، ١٢١٨، ٢٣٤، ٢٦٩٠، ٢٦٩٣، ٧٩٠"، مسلم "٤٢١"، أبو دأود "٩٤٠، ٩٤١، ٩٤٢، النسائي "٢/٧٧، ٧٨"] ، فغايته الدلالة على أنه إذا لم يحضر إمام الصلاة جاز للمؤتمين أن يؤمروا من يصلي بهم وإذا رجع الإمام وهم في الصلاة كان لللإمام الأول المفضول أن يتأخر ويتقدم الإمام الفاضل فيتم بهم الصلاة.
وهكذا صلاة أبي بكر في مرضه صلى الله عليه وسلم ثم خروج النبي صلى الله عليه وسلم وقعوده جنب أبي بكر فكان أبو بكر يقتدي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر.
فغاية ما فيه الدلالة على ما دل عليه الحديث الأول وبهذا تعرف أنه لا دليل يدل على وجوب الاستخلاف من الإمام الذي بطلت صلاته وأنه لا دليل على تجديد النية من الإمام والمؤتمين به فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم في تين الصلاتين بتجديد النية ولو كان ذلك واجب لأمرهم به.
وأما عدم فسادها على الإمام بعروض إقعاد مأيوس فظاهر ولا يحتاج إلي ذكره ولا فرق بين الإمام والمؤتم والمنفرد أما كونهم يعزلون صلاتهم فلا وجه لذلك وقد تقدم حديث: "وإذا صلي قاعدا فصلوا قعودا" وهذا عذر عارض في وسط الصلاة فلا يكون حكمه حكم من دخل في الصلاة قاعدا.
وأما كون للمؤتمين أن يستخلفوا من يتم بهم الصلاة فلا مانع من ذلك كما تقدم والحاصل أن هذه التفريعات لم تكن مبنية على رواية مقبولة ولا رأي صحيح.
[فصل
ويجب متابعته إلا في مفسد فيعزل أو جهر فيسقط إلا أن يفوت لبعد أو صمم أو تأخر فيقرأ] .
قوله: "فصل ويجب متابعته". الخ.
أقول: هذا صحيح وقد دل عليه حديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا" الحديث وهو في الصحيحين [البخاري "٧٣٤"، مسلم "٤١٤"،وغيرهما [أبو دأود "٦٠٣، ٦٠٤"] النسائي "٩٢١، ١٤٢، ٩٢٢"، ابن ماجة"٨٤٦" من حديث أبي هريرة.
وأخرج البخاري ["٧٣٣"] عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تركعوا حتى يركع ولا ترفعوا حتى يرفع".