قوله: "ما خرج من سبيلي ذي دم لا يؤكل"
أقول: حق استصحاب البراءة الأصلية وأصالة الطهارة أن يطالب من زعم بنجاسة عين من الأعيان بالدليل فإن نهض به كما في نجاسة بول الآدمي وغائطه والروثة فذاك وإن عجز عنه أو جاء بما لا تقوم به الحجة فالواجب علينا الوقوف على ما يقتضيه الأصل والبراءة.
وبهذا تعرف أن الاستدلال بمفهوم حديث جابر والبراء بلفظ: "لا بأس ببول ما أكل لحمه" على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه لا تقوم به الحجة فإن في إسناد حديث جابر عمرو بن الحصين العقبلي قال أبو حاتم ذاهب الحديث ليس بشيء وقال أبو زرعة واهي الحديث وقال الأزدي ضعيف جدا يتكلمون فيه وقال الدارقطني متروك.
وفي إسناده أيضا يحيى بن العلاء أبو عمرو البجلي الرازي قال أحمد كذاب يضع الحديث وقال يحيى ليس بثقة وقال ابن عدي أحاديثه موضوعات.
وأما حديث البراء ففي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك الحديث عند جميع أهل النقل وقال ابن حزم في المحلي خبر باطل موضوع.
على أنه قد اختلف على سوار فيه فرواه الدارقطني عنه عن مطرف عن أبي الجهم عن البراء مرفوعا بلفظ: "ما أكل لحمه فلا بأس بسؤره".
فهو بهذا اللفظ لا يدل على محل النزاع وتعرف أيضا انتهاض ما استدل به القائلون بنجاسة الأبوال والأزبال على العموم لأن غاية ما عولوا عليه حديث: "إنه كان لا يستنزه من بوله" [البخاري "٢١٦‘ ٢١٨، ١٣٦١، ١٣٧٨، ٦٠٥٢"، مسلم "١١١/٢٩٢"، أبو دأود "٢٠"، النسائي "٣١"، الترمذي "٧٠"، ابن ماجة "٣٤٧"، أحمد "١/٢٢٥"] ، وحديث "اسنتزهوا من البول".
والأول في الصحيح والثاني صححه ابن خزيمة.
وما أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ: "اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر" قال في مجمع الزوائد رجاله موثقون.
قالوا والبول في هذه الأحاديث عام ويجاب عنه بأنه مخصص على تقدير العموم ومقيد على تقدير الإطلاق بما ثبت في الصحيح بلفظ "من بوله".
ثم هذا الدليل هو أخص من الدعوى فإنه في البول لا في الزبل.
وبالجملة فكل ما استدل به القائلون بطهارة ما خرج من سبيلي ما يؤكل لحمه يدل على الأصل الذي ذكرناه ولا ينفي طهارة ما خرج من سبيلي غير المأكول.
وتعرف أيضا عدم انتهاض ما استدل به القائلون بنجاسة مني الآدمي فإن حديث "إنما تغسل ثوبك من البول والغائط والقيء والدم والمني" لا تقوم به الحجة أصلا لبلوغه في الضعف إلي حد لا يصلح معه للاحتجاج به وكذا حديث أنه صلى الله عليه وسلم "كان يغسل ثوبه من المني" [البخاري "٢٢٩"، مسلم "١٠٨/٢٨٦"] . ليس فيه أن ذلك لأجل كونه نجسا فإن مجرد الاستقذار بل مجرد درن الثوب مما يكون سببا لغسله وقد ثبت من حديث عائشة عند مسلم وغيره أنها كانت تفرك