أن الرجس القذر فقد استدل بما هو أعم من المتنازع فيه فإن القذر يشمل كل ما يستقذر والحرام مستقذر شرعا والأعيان الطاهرة إذا كانت منتنة أو متغيرة مستقذرة طبعا.
وعلى كل حال فالآية لم تسق لبيان الطهارة والنجاسة بل لبيان ما يحل ويحرم {قُلْ لا أجد فِي مَا أوحِيَ إِلَيَّ}[الأنعام: ١٤٥] .
وإذا تقرر لك هذا وعلمت به أن الأصل طهارة الدم لعدم وجود دليل ناهض يدل على نجاسته فاعلم أنه قد انتهض الدليل على نجاسة دم الحيض لا لقوله سبحانه:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً}[البقرة: ٢٢٢] ، فإن ذلك ليس بلازم للنجاسة فليس كل أذى نجس بل بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من الأمر بغسله وبقرصه وبحته وبحكه وتشديده في ذلك بما يفيد أن يكون إزالته على وجه لا يبقى له اثر فأفاد ذلك أنه نجس فيكون هذا النوع من أنواع الدم نجسا ولا يصح قياس غيره عليه لأنه من قياس المخفف على المغلظ.
وبهذا تعرف أنه لا حاجة إلي الكلام عن استثناء ما استثناه المصنف رحمه الله من تلك الدماء.
[فصل: والمتنجس أما متعذر الغسل فرجس وأما ممكنه فتطهير الخفية بالماء ثلاثا ولو صقيلا والمرئية حتى تزول واثنتين بعدها أو بعد استعمال الحاد المعتاد.
وأما شاقة فالبهائم ونحوها والأطفال بالجفاف ما لم تبق عين.
والأفواه بالريق ليلة والأجواف بالإستحالة والآبار بالنضوب وبنزح الكثير حتى يزول تغيره إن كان وإلا فطاهر في الأصح والقليل إلي القرار والملتبس إليه أو إلي أن يغلب الماء النازح مع زوال التغير فيهما فتطهر الجوانب المداخلة وما صاده الماء من الأرشية والأرض الرخوة كالبئر] .
قوله:"فصل والمتنجس أما متعذر الغسل فرجس".
أقول: كان الأولى أن يقال فنجس لأن الرجس يطلق على معاني الحرام والقذر والعذاب والنجس وليس مقصود المصنف هنا إلا النجس والمراد من الكلام أن ما تعذر تطهيره فحكمه حكم نجس العين في تحريمه وعدم جواز الانتفاع به لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الفأرة: "وإن كان مائعا فلا تقربوه" [البخاري "٥٥٣٨"، أحمد "٦/٣٢٩"، أبو دأود "٣٨٤١"، الترمذي ١٧٩٨"، النسائي "٧/١٧٨"] ، فإن النهي عن قربانه يدل على عدم جواز الانتفاع به بوجه من وجوه الانتفاع.
وغير الفأرة مما هو في حكمها من الحيوانات مثلها وغير السمن من المائعات مما لا