الصحابة في عصر النبوة وبعده أنهم تعرضوا لتطهير ذلك مما يقع فيه من النجاسة أو تحرزوا من المباشرة لذلك.
وقد كان الصبيان يتصلون بهم وهم في صلاتهم كما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يحمل الصبية على ظهره وهو يصلي فإذا سجد وضعها وكذلك كان يحمل الحسن والحسين حال الصلاة وهما في سن الصغر.
وبالجملة فالشريعة سمحة سهلة وليس لنا أن نفتح على أنفسنا ابوابا قد سكت عنها الشارع فإن ذلك عفو كما ثبت ذلك بالشرع.
ومن هذا التعرض لطهارة الأفواه والأجواف فإن ذلك من التنطع والغلو في دين الله والتقول على الشرع بما ليس فيه.
نعم إن أراد بطهارة الأجواف طهارة الجلالة فقد ثبت ذلك في الشريعة أخرج أحمد وأهل السنن والحاكم وابن حيان من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الجلالة وشرب لبنها حتى تحبس.
قوله:"والآبار بالنضوب وبنزع الكثير" الخ.
أقول: أرض الابار لها حكم سائر الأرض في طهارتها ونجاستها فلا وجه للتنصيص عليها فمن قال إنها تطهر بالنضوب قال به في أرض البئر ومن قال لا بد من صب الماء عليها قال به في أرض البئر ومن فرق بين الأرض الرخوة والصلبة كما سيأتي قال به في أرض البئر.
وإن كان التنصيص على أرض البئر لكونه يتعذر تطهيرها ويشق فإن كان ذلك لأجل ما فيها من الماء فطهارة الماء بكونه مستبحرا أو غير متغير اللون والريح والطعم يوجب طهارة أرض البئر وإن كان التعذر لغير ذلك فقد تقدم حكم متعذر الغسل.
وأما قوله:"وبنزح الكثير حتى يزول تغيره" فإن كان كلأما مستأنفا في طهارة ما ينجس من ماء الآبار فكان الأولى أن يأتي بعباة مشعرة بذلك فإنه لا يفهم من عبارته إلا العطف على النضوب.
ثم اعلم أنه لا وجه لقوله بنزح الكثير وكان حذف لفظ الكثير أولى لأن الماء لا ينجس إلا إذا وقع فيه ما يغير ريحه أو لونه أو طعمه كما في الحديث الوارد من طرق بلفظ:"خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء" أخرجه أحمد وأهل السنن وغيرهم من حديث أبي سعيد وأخرجه غيرهم من حديث غيره وقد صححه جماعة من الأئمة ومجموع ما ورد في ذلك صالح للاحتجاج به ولا شك ولا شبهة ولا يقدح في مجموع الطرق ما قيل في بعضها من الكلام الذي لا يوجب سقوط الاحتجاج.
وقد أوضحنا ذلك في شرحنا للمنتقى وتكلمنا على كل طريق على انفرادها وذكرنا ما قاله الحفاظ في ذلك.