للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان في ذلك الوقت غير مستطيع فلا وجوب عليه ولا يشترط ان يبقى معه ما يصير به مستطيعا زمانا كثيرا أو قليلا بل المراد من وجود ما ذكرنا عند حضور وقت الحج فإن استمر معه كل السنة وتلف عند حضور وقت الحج فليس بمستطيع ولا يجب عليه الحج وهذا معنى ظاهر واضح لا يحتاج إلي مزيد بيان ولا تدل الآية الكريمة على غيره.

وأما الخلاف في كون الحج على الفور والتراخي فمرجعه ما وقع في الاصول من الخلاف في صيغة الايجاب هل هي للفور أو للتراخي؟

وقد دل على الفور عند الاستطاعة الاحاديث الواردة في الوعيد لمن وجد زادا وراحلة ولم يحج وإن كان فيها مقال فمجموع طرقها منتهض.

واستدل القائلون بالتراخي بما وقع منه صلى الله عليه وسلم من تأخير حجة إلي سنة عشر مع كون فرض الحج نزل في سنة خمس أو ست على خلاف في ذلك وقد روى في تفسير الاستطاعة المذكورة في القرآن ما أخرجه الدارقطني والحاكم وقال صحيح على شرطهما والبيهقي من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} قال: قيل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: "الزاد والراحلة".

وأخرج ابن ماجه والدارقطني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الزاد والراحلة" يعني قوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} قال ابن حجر: وسنده ضعيف.

وفي الباب عن ابن عمر عند الشافعي والترمذي وحسنه وابن ماجه والدارقطني وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي قال فيه أحمد والنسائي انه متروك الحديث.

وعن علي وابن مسعود وعائشة وعبد الله بن عمرو عندالدارقطني من طرق كلها ضعيفة.

وأما قوله: "إلا لتعيين جهاد" الخ فلكون هذه الامور قد تضيقت وتعين القيام بها ولكنه أما يستقيم هذا على تقدير ان الحج لم يتضيق عليه فإن كان قد تضيق عليه كما تضيقت فوجه تقديم الجهاد ان مصلحته عامة.

ووجه تقديم القصاص والدين انه حق لآدمي قد تعلق بمن أراد الحج ويخشى فوته بعروض عارض له من موت أو نحوه.

ووجه تقديم النكاح انه إذا خشي الوقوع في المعصية كان ذلك متعينا عليه.

وأما كونه يأثم إذا قدم الحج على هذه الامور فلأنه قد اخل بما يجب عليه تقديمه وكان اثمة لذلك ولا يستلزم هذا الإثم عدم صحة حجة لأن متعلق الإثم هو أمر غير الحج.

قوله: "وهي صحة يستمسك معها قاعدا".

أقول: هذا لا بد منه والا كان من لا يقدر على الاستمساك معذورا عن الحج بنفسه ويجوز له الاستنابة كما تقدم وقد تقدم تفسيره صلى الله عليه وسلم للاستطاعة وهو لا ينافى هذا لأن من لا يستمسك على الراحلة لا ينفعه وجودها.

<<  <   >  >>