أقول: ليس على هذا اثارة من علم قط وما ذكروه من الاقيسة فهي ظلمات بعضها فوق بعض والعجب كل العجب من ايجابه على كل بائع ولو كانت امرأة وفي كل امة مبيعة أو موهوبة ولو كانت صغيرة فإن كان المقصود بهذا معرفة براءة الرحم فالصغيرة والبكر هذه البراءة كائنة فيهما ثم ايجاب الاستبراء على المشتري والمتهب تحصل به هذه البراءة فما الموجب لايجاب ذلك على البائع على ان إيجابه على المشتري ونحوه إنما يثبت بالقياس على المسبية فإنها مورد النص ولكن لما كانت المشتراة ونحوها تشاركها في العلة التي وجب استبراؤها لها كان قياسها عليها صحيحا من هذه الحيثية لما في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي الدرداء ان النبي صلى الله عليه وسلم اتى على امرأة محج على باب فسطاط فقال: "لعله يريد أن يلم بها؟ " فقالوا: نعم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ " والمحج الحامل فإن مثل هذه العلة كائنة في المشتراة ونحوها وقد قال صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: "لا توطا حامل حتى تضع ولا حائض حتى تستبرأ بحيضة"، أخرجه أحمد وابو دأود والحاكم وصححه.
ويشهد له ما عند الدارقطني من حديث ابن عباس وما عند الترمذي من حديث العرباض ابن سارية وما عندأبي شيبة من حديث علي مع ان ظاهر هذا العموم يشمل المشتراة ونحوها وكونه في سبايا أوطاس لا يوجب تقييده بذلك لما تقرر من ان الاعتبار بعموم الفظ لا بخصوص السبب.
وقد ورد ما يدل بعمومه على استبراء المشتراة ونحوها فأخرج أحمد والطبراني من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يقعن رجل على امرأة وحملها لغيره"، ولكن إسناده ضعيف قال في مجمع الزوائد في إسناده بقية والحجاج ابن ارطاة وكلاهما مدلس انتهى ولكنه يشهد له ما أخرجه أحمد وابو دأود وابن أبي شيبة والدارمي والطبراني والبيهقي والضياء المقدسي وبان حبان وصححه والبزار وحسنه من حديث رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستقنى ماءه ولد غيره"، فإنه يشمل الامة المشتراة ونحوها وإن كان في لفظ في هذا الحديث عن الترمذي:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها"، وفي لفظ لأحمد:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكحن ثيبا من السبايا حتى تحيض"، فإن هذا التقييد لاينافي عموم قوله:"فلا يسقيا ماءه ولد غيره"،
والحاصل ان مجرد قياس المشتراة ونحوها على المسبية على تقدير عدم شمول الدليل لها واضح الوجه للاشتراك في تلك العلة.
وأما إيجاب الاستبراء على البائع ونحوه فلا ينبغي ان ينسب إلي عالم وهكذا ايجاب استبراء الصغيرة والبكر فإنه لم يدل دليل على وجوبه على السأبي ولا على المشتري ونحوه والتعليل بتلك العلة ينافي الايجاب فيهما.