يفعله العقلاء في غالب الاحوال ولكن لما كان القصد لا يعرف الا من جهته كان القول قوله مع يمينه إن خاصمته في ذلك امرأته أو احتسب عليه محتسب.
وأما قوله: "إنشاء كان أو إقرارا أو نداء أو خبرا" فكل هذه إذا وقعت من الزوج قاصدا بها معانيها كان ذلك طلاقا بلا شك ولا شبهة لا إذا لم يقصدها كما عرفناك.
قوله: "ولو هازلا".
أقول: الهازل هو الذي تكلم باللفظ قاصدا لمعناه المراد منه ولكن أوقعه على طريقة الهزل ولم يوقعه على طريقة الجد أما لو لم يقصد به المعنى بكل تكلم باللفظ من غير قصد قط فإن هذا لا يصدق عليه أنه هازل وهذا ظاهر مكشوف ووجه وقوع الطلاق من الهازل ورود الشرع بذلك وهو ما أخرجه أحمد وأبو دأود وابن ماجه والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وأخرجه أيضا الدارقطني عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة".
وما قيل من أن في إسناده عبدا لرحمن بن حبيب بن اردك وقد قال النسائي إنه منكر الحديث فهو مدفوع بأنه قد وثقه غيره قال ابن حجر فهو على هذا حسن.
وأخرج الطبراني من حديث فضالة بن عبيد بلفظ: "ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح والعتق" وفي إسناده ابن لهيعة.
وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن عبادة بن الصامت بلفظ: "لا يجوز اللعب فيهن الطلاق والنكاح والعتاق فمن قالهن فقد وجبن" وإسناده منقطع.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي ذر "من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز" وفي إسناده انقطاع أيضا.
وأخرج عبد الرزاق نحوه عن علي وعمر موقوفين.
فالحديث المتقدم وما في معناه قد دل على وقوع هذه الثلاثة من الهازل ولولا ورود ذلك لم يقع بها شيء لأنه لم يخرجها مخرج القصد الصحيح والعزم المعتبر كما قال عز وجل: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: ٢٢٧] .
قوله: "أو ظانها غير زوجته".
أقول: هذا بناء على ان مجرداللفظ يكفي كما سلف وقد عرفت أنه لا بد ان يقصد باللفظ أي لفظ كان فراق زوجته فالقاصد لغيرها فانكشف انها هي هو غير قاصد لفراق زوجته فلا يقع طلاقه عليها فإنه لم يوقعه عليها بل أوقعه على غيرها.
وأما قوله: "أو بعجمي عرفه" فصحيح إذا كان عارفا بمعناه وقصد به فرقتها فليس الطلاق مختصا بألفاظ العرب.
وأما قوله: "واللفظ والمعنى في كناية" فقد عرفت أنه لا فرق بين اللفظ الصريح والكناية لأنه إذا لم يكن قاصدا لمعناه لم يقع به الطلاق ولا فرق بين ان تكون الكناية بلفظ أو إشارة أو