فهذه الاحاديثت تدل على ان المصة والمصتين لا تقتضيان التحريم فهذا التقييد الأول مما قيدت به تلك الاطلاقات.
التقييد الثاني ما أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه من حديث أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الامعاء في الثدي وكان قبل الفطام"، ومعنى فتق الامعاء في الثدي أي في أيام الثدي وذلك حيث يرضع الصبي منها.
وأخرج سعيد بن منصور والدارقطني والبيهقي وابن عدي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين".
وأخرج أبو دأود الطيالسي في مسنده من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا رضاع بعد فصال ولا يتم بعد احتلام".
فهذه الاحاديث تدل على ان الرضاع الواقع بعدالحولين لا حكم له ولا يقتضى التحريم.
التقييدالثالث ما ثبت في الصحيحين [البخاري "٩/١٤٦"، مسلم "٣٢/١٤٥٥"] ، وغيرهما [أحمد "٦/٩٤"، أبو داود "٢٠٥٨"، النسائي "٦/١٠٢"، ابن ماجة "١٩٤٥"] ، من حديث عائشة قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل فقال:"من هذا" قلت اخي من الرضاعة فقال: "يا عائشة انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة"، فهذا الحديث يدل على ان الرضاع إذا وقع لغير مجاعة من الصبي لم يثبت حكمه.
التقييد الرابع ما أخرجه أبو دأود من حديث ابن مسعود مرفوعا:"لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم"، ولكن في إسناده مجهولان فلا تقوم به حجة.
التقييد الخامس وعليه تدور الدوائر وبه يجتمع شمل الاحاديث مطلقها ومقيدها وهو ما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عائشة قالت: كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرا من القرآن وله الفاظ.
وقد أخرج البخاري من حديثها نحوه وأخرج مالك في الموطأ وأحمد من حديثها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لسهلة في قصة سالم:"أرضعيه خمس رضعات"، فهذا يدل على انها لاتحرم إلا خمس رضعات ولا يعارضه أحاديث:"لاتحرم المصة والمصتان" لأن غاية ما فيها الدلالة بالمفهوم على ان ما فوقها يحرم وحديث الخمس يدل بمفهومة على ما دون الخمس لا يحرمن وكلاهما مفهوم عدد ولكنه يقوى حديث الخمس أنه مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قرآن يتلى ويقويه أيضا أنه قد ذهب جماعة من ائمة البيان كالزمخشري إلي أن الاخبار بالجملة الفعلية المضارعية يفيد الحصر ومفهوم الحصر ارجح من مفهوم العدد ويقويه أيضا ما أخرجه ابن ماجه من حديثها بلفظ: "لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس"، وهذه الصيغة تقتضي الحصر بلا خلاف.
وإذا عرفت رجحان ما دل على أنه لا يحرم إلا الخمس وأن العشر منسوخة فلا يعارضه ما