الوضوء للصلاة وقد عرفت أنه يكفي مجرد رفع المانع وهو الحدث ولا يصح صرف نفس رفع المانع ولا رفضه ولا التخيير بينه وبين شيء آخر.
قوله:"والمضمضة والاستنشاق"
أقول: القول بالوجوب هو الحق لأن الله سبحانه قد أمر في كتابه العزيز بغسل الوجه ومحل المضمضة والاستنشاق من جملة الوجه.
وقد ثبت مدأومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في كل وضوء ورواه جميع من روى وضوءه صلى الله عليه وسلم وبين صفته فأفاد ذلك أن غسل الوجه المأمور به في القرآن هو مع المضمضة والاستنشاق.
وأيضا قد ورد الأمر بالاستنشاق والاستنثار في أحاديث صحيحة وأخرج أبو دأود والترمذي من حديث لقيط بن صبرة بلفظ "إذا توضأت فمضمض" [أبو دأود "٢٣٦٦"، النسائي "٨٧"، ابن ماجة "٤٠٧"، الترمذي "٧٨٨"] ، وإسناده صحيح وقد صححه الترمذي والنووي وغيرهما ولم يأت من أعله بما يقدح فيه.
قوله:"مع تخليل أصول الشعر".
أقول: الأحاديث في تخليل اللحية وقد وردت من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة وفيها الصحيح والحسن والضعيف وقد صحح بعضها الترمذي في جامعه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والدارقطني والحاكم وابن دقيق العبد وابن الصلاح وحسن بعضها البخاري وما دون ذلك ينتهض للاحتجاج به وفي بعضها الحكاية لفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع زيادة وهي قوله: "بهذا أمرني ربي" ومجرد الفعل المستمر يدل على أنه بيان لما في القرآن من قوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية لأن اللحية والحاجبين والشارب كلها نابتة في الوجه ولم يأت من ضعف أحاديث تخليل اللحية بما يقدح في الاحتجاج وليس ذلك إلا باعتبار بعض الطرق وأما باعتبار الكل فلا وقد قامت الحجة بتصحيح من صححها وتحسين من حسنها كما ذكرنا ومن علم حجة على من لا يعلم وبهذا تعرف أن ما روي عن أحمد بن حنبل من أنه لم يثبت في تخليل اللحية حديث صحيح وأن أحسن شيء فيه حديث شقيق عن عثمان وروي مثله عن ابن أبي حاتم عن أبيه لا يعارض ما ذكرنا عن أولئك الأئمة.
قوله:"ثم غسل اليدين مع المرفقين".
أقول: كلام أهل اللغة والنحو في كون إلي للغاية أو بمعنى مع معروف وقد ذهب إلي كل قول طائفة وذهب قوم إلي التفصيل فقالوا إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها كما في هذه المسألة كانت بمعنى مع وإن لم يكن من جنسه كما في قوله تعالي: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلي اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧] ، كانت للغاية فلا يدخل ما بعدها فيما هو قبلها.
والحق احتمالها للأمرين فإذا ورد ما يدل على أحدهما تعين وإن لم يرد ما يدل على أحدهما كان الكلام في ذلك كالكلام في اللفظ المشترك بين معنيين وقد ورد ها هنا ما يدل على أحد المعنيين وهو أنها بمعنى "مع".