"الوضوء من كل دم سائل" وإن عزاه السيوطي في الجامع الصغير إلي الدارقطني ففي إسناده من لا تقوم به الحجة وحديث أبي هريرة: "ليس في القطرة والقطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون سائلا" وإن أخرجه الدارقطني ففي إسناده من لا تقوم به الحجة وأما حديث إسماعيل بن عياش فقد قدمنا في البحث الذي قيل هذا الكلام فيه وذكرنا أنه يؤيد ما ذكرناه من أنه صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ فلا يصلح للاحتجاج به منفردا فكيف إذا عورض بمثل أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يزد على غسل محاجمه أخرجه الدارقطني وفي إسناده صالح بن مقاتل ووالده وسليمان بن دأود وصالح ووالده ضعيفان وسليمان بن دأود مجهول ولكنه رواه المنذري في تخريج المهذب من هذه الطريق وقال إسناده حسن وقال ابن العربي في خلافياته إن الدارقطني رواه بإسناد صحيح هكذا حكى ذلك في البدر المنير وبما أخرجه البخاري عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع فرمى رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته وأخرجه أحمد وأبو دأود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
وقد ثبت في روايات صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل الشعب فقال:"من يحرسنا الليلة؟ " فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فباتا بفم الشعب فاقتسما الليلة للحراسة وقام الأنصاري يصلي فجاء رجل من العدو فرمى الأنصاري بسهم فأصابه فنزعه واستمر في صلاته ثم رماه بثان فصنع كذلك ثم رماه بثالث فنزعه وركع وسجد وقضى صلاته ثم أيقظ رفيقه فلما رأى ما به من الدماء قال له لم لا أنبهتني أول ما رمى قال كنت في سورة فأحببت أن لا أقطعها.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اطلع على ذلك ولم ينكر عليه الاستمرار في الصلاة بعد خروج الدم ولو كان الدم ناقضا لبين له ولمن معه في تلك الغزوة وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وقد كان الصحابة رضى الله عنهم يخوضون المعارك حتى تتلوث أبدانهم وثيابهم بالدم ولم ينقل أنهم كانوا يتوضئون لذلك ولا سمع عنهم أنه ينقض الوضوء.
قوله:"والتقاء الختانين"
أقول: قد ثبت أن هذا من موجبات الغسل بالأدلة الصحيحة كما سيأتي ومعلوم أن موجبات الطهارة الكبرى موجبات للطهارة الصغرى فذكر هذا هنا غفلة شديدة.
قوله:"ودخول الوقت في حق المستحاضة ونحوها".
أقول: ليس على هذا أثارة من علم ولا عقل فلا حاجة إلي التطويل في رده وبيان بطلانه.
قوله:"وكل معصية كبيرة غير الإصرار".
أقول: لم يتمسك القائلون بهذا سوى حديث أبي هريرة عند أبي دأود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا مسبلا إزاره في الصلاة فأمره بإعادة الوضوء والصلاة وفي إسناده مجهول قيل هو يحيى بن أبي كثير المدني وقيل هو كثير بن جهمان السلمي وقيل غيرهما فلا تقوم به حجة ولا يصح الاستدلال به على نقض وضوء المسبل إزاره فكيف يستدل به على هذه القضية الكلية التي تعم بها البلوى.