للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقرير لفعله وهم يجعلون ذلك قادحا كما سيأتي في الشهادات.

وأما قوله: "وإلا اشتركا" فوجهه عدم وجود مرجح لأحقية أحدهما والأولى أن يقال إن هذا اللبس من كل وجه يقتضي بطلان إجارة كل واحد منهما فيؤجره مالكه ممن شاء لأن الرضا الذى هو المناط الشرعي غير متحقق مع اللبس.

قوله: "وللمستأجر القابض التأجير إلى غير المؤجر".

أقول: المالك للعين مالك لمنافعها ومجرد الإذن لمن يستعمله مدة من الزمان بأجرة لا يدل على جواز صرفها إلى غيره لاختلاف الأشخاص والأغراض والمقاصد وبهذا تعرف أنه لا يجوز للمستأجر أن يؤجرها ولا حق له في ذلك بل حقه مختص باستيفائه للمنافع المأذون له بانتفاعه بها فإن قلت أما كان له في استحقاقه لمنافع العين ما يسوغ له تأجيرها من غيره قلت هذا الاستحقاق سببه إذن المالك له بالانتفاع بها إلى مقابل الأجرة فإخراجها إلى غيره وتسليطه للانتفاع بها لم يتناوله الإذن وأما إذا أذن له مالك العين بذلك فظاهر.

وأما قوله: "أو زيادة مرغب" فلا وجه له فإنه لا يجوز ذلك إلا إذا رضي بذلك المرغب إلى مقابل إخراج العين إلى مستأجر آخر ولا يصح أن يكون مجرد وجود زيادة المرغب مصححا لتأجير المؤجر شاء المالك أم أبى فإن ذلك من الافتيات عليه في ملكه وفيما أمره إليه.

قوله: "ولا يدخل عقد على عقد إلا في الأعمال".

أقول لا مانع من هذا الإدخال لا من شرع ولا عقل ولا وجه لقياس الإجارة على البيع لما قد عرفناك من الفرق بينهما وأيضا قد قدمنا في البيع ما قد عرفته والحاصل أن المناط في الكل التراضي المدلول عليه بقوله تعالى: {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: ٢٩] ، فمن زعم تقييد هذا التراضي بقيد لم يدل عليه دليل فهو رد عليه وهكذا قوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: ٢٧٥] ، فمن زعم أنه لا يحل كذا من البيوع بغير دليل فهو رد عليه وإذا كان هذا في البيع الذى هو نقل الأملاك نقلا منجزا فكيف بالتجارة في المنافع الباقية على ملك مالكها ببقاء العين في ملكه والعجب من الفرق بين الأعيان والأعمال مع أن الكل منفعة فإن إجارة الأعيان تسليط المستأجر على الانتفاع بها والإجارة في الأعمال تسليط العامل لصاحب العمل على منافعه.

قوله: "وما تعيب ترك فورا ولو خشي تلف ماله لا نفسه".

أقول: ظهور العيب يقتضي ثبوت الرد به ولا يبطل إلا بمطل شرعي أو حصول الرضا المحقق به وأما هذا الذى جعلوه رضا شاء أم أبى وإن أدى إلى تلف ماله فمن غرائب الرأي وعجائب الاجتهاد ثم التفرقة بين تلف المال والنفس أغرب وأعجب ولا شك أن حفظ النفس مقدم على حفظ المال ولكن إضاعة المال منكر وحرمته مقترنة بحرمة النفوس كما حديث: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام".

وأما قوله: "ومنه نقصان ماء الأرض" الخ فمن التفريع المستغنى عنه.

<<  <   >  >>