فيما استؤجر عليه وأخرج أحمد والبزار من حديث أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه يغفر لأمته في آخر ليلة من رمضان"، قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر قال: "لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله"، فقوله:"إنما يوفى أجره إذا قضي عمله" دليل على ما ذكرناه فلا وجه لقوله فتتبعها أحكام الملك وما بعده لأنه تفريع على أصل منهار.
وأما قوله:"أو تسليم العمل واستيفاء المنافع" فصحيح وهكذا قوله أو التمكن منها بلا مانع لأن المؤجر لها قد فعل ما يجب عليه فإذا أفرط المستأجر فقد أتى من قبل نفسه إلا أن يكون تركه رغوبا عن الدخول في الإجارة ولم يكن قد حصل على المؤجر نقص ولا استغراق مدة فله ذلك.
وأما قوله:"والحاكم فيها يجبر الممتنع" فقد عرفناك أن الأجير والمؤجر إنما يستحقان الأجرة إذا فرغ الأجير من عمله وفرغ المستأجر من استيفاء المنفعة التي أستأجر العين لأجلها فإذا ترك فلا أجره ولا إجبار.
قوله:"ويصح بعض المحمول ونحوه بعد الحمل".
أقول: الحكم بصحة هذا ظاهر لعدم المانع من ذلك لا شرعا ولا عقلا.
وأما قوله قيل لا المعمول بعد العمل فقد استدل على ذلك بما أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي سعيد قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان قال ابن تيمية في المنتقى وقد فسر قوم قفيز الطحان بطحن الطعام بجزء منه مطحونا لما فيه من استحقاق طحن قدر الأجرة لكل واحد منهما على الآخر وذلك متناقض وقيل لا بأس به مع العلم بقدره وإنما المنهى عنه طحن الصبرة لا يعلم كيلها بقفيز منها وإن شرط حدا لأن ما عداه مجهول فهو كبيعها إلا قفيزا منها، انتهى.
والتفسير الأول أقرب وعليه اقتصر صاحب النهاية ولكن الحديث في إسناده هشام أبو كليب قال ابن القطان لا يعرف وكذا قال الذهبي وزاد وحديثه منكر وقال ابن تيمية حفيد مصنف المنتقى إنه حديث ضعيف بل باطل فإن المدينة لم يكن فيها طحان ولا خباز لعدم حاجتهم إلى ذلك انتهى ولكنه قال مغلطاي إن هشاما المذكور ثقة وأورده ابن حبان في الثقات فليس الحديث بعد هذا يضعف فضلا عن أن يكون باطلا والرجوع إلى العمل به أولى من ظلمات الرأي وتخبطات الاجتهاد ويقاس المحمول على المعمول لأن العلة كائنة في المحمول كما في المعمول ولا عذر لمن عمل بمثل هذا القياس وبما هو أضعف منه من العمل به ها هنا.
وأما قوله:"وفي الفاسد...." الخ فقد عرفناك غير مرة أن تخصيص ما يسمونه فاسدا بأحكام مخصوصة هو من باب ترتيب الباطل على الباطل وتفريع ما لا أصل له على ما لا أصل له وقد أوضحنا هذا في مواضع من هذا الكتاب.