أقول: من سبق إلى الأرض فوضع عليها أي علامة كانت تدل على سبقه إليها فهو أحق بها كما في الحديث المتقدم بلفظ: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له"، فالشرع قد أثبت أنه له وذلك هو معنى الملك فلا يرجع إلى مجرد الاصطلاح مع وجود الشرع ولا إلى المفاهيم اللغوية على تقدير أن فيها ما يدل على التفاوت بين الحق والملك وبهذا تعرف أنه لا فرق بين الإحياء والتحجر في ثبوت الملك بهما وأنه يصدق على كل واحد منهما أنه إحياء وليس المراد بالإحياء العمل في نفس الأرض بحرث أو غرس أو نحوها وقد تقدم في الأحاديث:"من أحاط حائطا على أرض فهي له" فإن الحائط ليس بعمل في نفس الأرض بل هو من باب التحجر لها عن أن يدخل إليها داخل فهو في الدلالة على السبق كضرب الأعلام في الجوانب ولا وجه لجعل أحدهما من باب الإحياء والآخر من باب التحجر كما فعل المصنف ولا للفرق بين أحكام الإحياء وأحكام التحجير فلا تشتغل بالكلام عليه ففي هذا كفاية.
قوله:"والشجر فيه وفي غيره كلأ".
أقول: ولا وجه لقول المصنف والشجر فيه الخ لأن الذي حكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مشترك بين الناس هو الكلأ والشجر ليس بكلأ فإنه عند أهل اللغة يطلق على الحشيش ولعل المصنف يريد بهذه العبارة أن الشجر له حكم الكلأ وهذا يحتاج إلى دليل فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنع الماء والنار والكلأ"، كما أخرجه ابن ماجة من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح وقال صلى الله عليه وسلم:"المسلمون شركاء في ثلاثة في الماء والكلأ والنار"، أخرجه أحمد وأبو داود من حديث أبي خراش عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا ورجال إسناده ثقات وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس وزاد فيه:"وثمنه حرام" وصححه ابن السكن وفي الباب أحاديث.
فالحاصل أن هذه الثلاثة الأشياء مشتركة بين الناس وأما الشجر النابت في الأرض المملوكة فهو لمالكها وفي غير المملوكة ملك لمن سبق إليه وليس في الأحاديث ما يدل على أنه مشترك بين الناس ومما يؤيد الاشتراك في الكلاء والماء ما ثبت في - الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ"، وفي لفظ لمسلم:"لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ" وفي لفظ للبخاري: "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ" وأخرج أحمد وابن ماجه عن عائشة قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع نقع البئر وأخرج أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من منع فضل مائة أو فضل كلئه منعه الله عزوجل فضله يوم القيامة"، وأخرج مسلم "٣٤/١٥٦٥"، من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء وأخرج نحوه أهل السنن [أبو داود "٣٤٧٨"، النسائي "٧/٣٠٧"، الترمذي "١٢٧١"، وصححه الترمذي "٣/٥٧٠"، من حديث إياس بن عبد وقد ورد بزيادة المالح كما أخرجه الخطيب من حديث ابن عمر وإسناده ضعيف ورواه الطبراني