تحول آلاته وأوقافه بمصيره في قفر ما بقي قراره فإن ذهب عاد لكل ما وقف وقفا] .
قوله:"فصل: ومن فعل في شيء ما ظاهره التسبيل خرج عن ملكه".
أقول: ليس بمثل هذا تخرج أموال العباد المعصومة بعصمة الإسلام عن أملاكهم ولا قائل يقول إن مجرد القرينة يقتضي الأملاك وغاية ما في هذا حصول قرينة أنه قد وقف ذلك الشيء الذي فعله في المسجد ونحوه من مصحف أو نحوه فلا بد أن يعلم أنه قد أخرج ذلك علن ملكه وتقرب به وإلا فهو باق على ملكه والأصل عدم الوقف وعدم التسبيل ومثل هذا نصب الجرس وتعليق الباب في المسجد وهكذا تعليق القنديل حكمه حكم تعليق الباب ولا وجه للفرق بينهما وأما اقتطاع الخشب بينة كون ذلك وقفا وهكذا شراء شيء بنية كون ذلك وفقا فالظاهر أنه قد صار بهذه النية وقفا لأن النية هي التي يصير بها الوقف وقفا ولا اعتبار بالألفاظ كما قدمنا غير مرة فإذا أقر بوقوع هذه النية منه لم يقبل منه الرجوع عنها.
قوله:"ومتى كملت شروطا لمسجد صح الوقف عليه".
أقول: يصح الوقف عليه ولو قبل كمال شروطه بل ولو قبل أن يعمر لأن التعليق للوقف بوقت مستقبل صحيح ولا مانع عنه من شرع ولا عقل وغايته أنه يتوقف نجاز الوقف على تمام المسجد.
وأما قوله:"وهي أن يلفظ بنية تسبيله سفلا وعلوا" فلا وجه لاشتراط اللفظ بل المعتبر حصول التراضي بمصيره مسجدا مسبلا ولو كان الدليل على هذا الرضا مجرد إشارة من قادر على النطق أو كتابة دالة على ذلك.
والحاصل أن اشتراط الألفاظ المخصوصة في هذا وغيره جمود لا وجه له من رواية ولا رأي وقد اصاب المصنف حيث قال أو يبنيه ناويا فإن هذه النية هي التي لا تعتبر غيرها وأما اشتراط أن يفتح بابه إلى ما الناس فيه على سواء فمبني على أنه لا يكون مسجدا إلا ما كان هكذا وليس على هذا الاشتراط أثارة من علم بل المسجد الذي يعمر خاصا بأهل قرية أو بعض قرية أو ملك الباني ليصلي فيه هو وأهله هو مسجد وحكمه حكم غيره من المساجد وإن كانت الصلاة فيه الجماعات أكثر ثوابا بالحديث:"صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أفضل كذلك ما كثرت الجماعة"، ومعلوم أن هذه الفضيلة لا تستلزم أن ما دون هذا المسجد الذي تكثر فيه الجماعات لا يكون مسجدا لا شرعا ولا عقلا ولا عادة.
وأما قوله:"مع كونه في ملك" فلا بد من ذلك لأن الإنسان لا يتقرب بغير ما هو مملوك له ومثله المباح الذي لا يتعلق به حق لأحد لأن بناء المسجد فيه تحجر له وقد قدمنا أن التحجر يفيد الملك كما يفيده الإحياء وأما الحق العام فلا بد من وجود المصلحة الراجحة وعدم وجود مفسدة على أهل الحق فإذا كان كذلك جاز للإمام أن يأذن له ببنائه وإلا فلا.