وأما قوله:"وللواقف نقل المصرف فيما هو عن حق" فوجهه أم أمر ذلك إليه كما يقتضيه جعله عن حق وله أن يصرف ما عليه من الحق إلا من اختاره من المصارف أو إلى هذا تارة وإلى هذا أخرى وأما فيما كان عن غير حق فقد صار للمصرف المعين بحكم الوقف عليه فلا ينقل إلا لسبب يقتضي ذل.
قوله:"ونقل مصلحة إلى أصلح منها خلاف".
أقول: قد تقرر أن الوقف ملك لله محبس للانتفاع به وما كان هكذا فلا ينظر فيه إلى جانب الواقف إلا من جهة العناية بمصير ثواب وقفه إليه على أكمل الوجوه وأتمها مهما كان ذلك ممكنا ومعلوم أن الاستبدال بالشيء إلى ما هو أصلح منه باعتبار الغرض المقصود من الوقف والفائدة المطلوبة من شرعيته حسن سائغ شرعا وعقلا لأنه جلب مصلحة خالصة عن المعارض وقد عرفناك غير مرة أن من عرف هذه الشريعة كما ينبغي وجدها مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد وها هنا قد وجد المقتضى وهو جلب المصلحة بظهور الأرجحية وانتفاء المانع وهو وجود المفسدة فلم يبق شك ولا ريب في حسن الاستبدال.
وأما قوله:"ويستقر للعبد ما وقف عليه بعتقه" فوجهه أن العبد لا يملك وهذا على قول من قال بذلك وأما من قال إنه يملك فيستقر عليه من عند وقوعه.
قوله:"ومن وقف بعد موته فله قبله الرجوع".
أقول: هذه الإضافة إلى بعد الموت لا تسوغ الرجوع لأن الوقف تصرف من الإنسان في ماله لقصد التقرب إلى الله به وإخراج لرقبته عن ملكه وتصييرها ملكا لله عزوجل وتحبيس للأصل وتسبيل للرقبة فمجرد الإضافة إلى بعد الموت لا تكون مسوغة للرجوع لأن الإيقاع بطيبة من النفس ورضا من القلب قد وقع فلا بد لمن قال بأن مجرد الإضافة إلى بعد الموت مسوغة للرجوع من دليل يدل على جواز إبطال هذا التصرف وإرجاعه إلى ما كان عليه من كونه ملكا لمن قد تصرف به والقول بأن ذلك وصية دعوى مجردة بل هذا وقف وقع من أهله مصادفا لمحله وغاية من توجبه الوصية على تسليم ما ذكروه في شأنها من أن ما كان مضافا منها إلى بعد الموت ينفذ من الثلث أن يكون هذا الوقف نافذا من الثلث وأما جعل الرجوع فيه جائزا على الإطلاق فلا هو موافق للدليل ولا لما بنوا عليه كثيرا من هذه التفريعات من القواعد التى نزلوها منزلة الأدلة خبطا وجزافا ومن هذا الخبط قوله وينفذ في الصحة من رأس المال الخ وسيأتي الكلام على هذه القاعدة في الوصايا إن شاء الله تعالى.
قوله:"ويصح فرارا من الدين ونحوه".
أقول: قد عرفناك فيما سبق أن الركن الأعظم والسبب الأكبر في صحة وقف الواقفين هو قصد القربة الصحيحة الخالصة عن الشوائب وما لا يوجد فيه ذلك فليس بوقف بل هو من التلاعب بأحكام الله ومن خلط الأحكام الشرعية بالأحكام الطاغوتية وكيف يصح وقف هذا الذي فر من الواجبات التي أوجبها الله عليه ما لم يوجبه عليه ولا طلبه منه بل ولا أذن له