أقول: مراده أن هذا السبب سبب نجاز العتق لأم الولد والمدبر وأما السبب الذي تعلق به العتق فهو الاستيلاد في أم الولد وإيقاع التدبير في المدبر وقد تقدم الكلام في بيع أم الولد مستوفى في كتاب البيع وسيأتي الكلام في جواز بيع المدبر مستوفى في باب التدبير.
وأما قوله:"وعن أولادهما الحادثين بعد مصيرهما كذلك" فلا يخفاك أن هؤلاء الحادثين حدثوا بعد وجود سبب تعلق العتق بهما لا بعد وجود سبب نجاز العتق فالأولاد إذ ذاك أولاد من لم ينجز عتقه وينقذ تحريره فإذا مات السيد لم يكن نجاز عتقهما مقتضيا لعتق أولادهما لأنهم وجدوا قبل هذه الحالة ولم يرد ما يدل على هذا الحكم الذي ذكره المصنف بل لهم قبل الموت وبعده حكم الرق.
قوله:"ومثول المالك به" الخ.
أقول: إذا كانت المثلة بقطع شيء من أعضائه فقد ثبت الدليل الصحيح في العبد الذي جبّ سيده مذاكيره وجدع أنفه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اذهب فأنت حر" [أبو داود "٤٥١٩", ابن ماجه "٢٦٨٠", أحمد "٢/١٨٢"] وإن كانت المثلة باللطم أو الضرب فقد ثبت في صحيح مسلم ["٣٠/١٦٥٨"] وغيره [أبو داود "٥١٦٨", أحمد "٢/٤٥, ٦١"] من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه"، فدل هذا على أن تكفير ذلك اللطم أو الضرب يكون بالعتق وليس فيه دلالة على أن العتق حتم على السيد ولا أنه يعتق بنفس المثلة وقد قيد الضرب بما في صحيح مسلم بلفظ:"من ضرب غلاما له حدا لم يأته فإن كفارته أن يعتقه" فأفاد هذا أن الضرب الذي كفارته العتق هو ما بلغ حدا لما ورد من أنه لا يحل الجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ومما يؤيد عدم تحتم العتق في اللطم والضرب ما ثبت في صحيح مسلم "٣١/١٦٥٨"، وغيره أبو داود "٥١٦٧"، الترمذي "١٥٤٢"، من حديث سويد من مقرن كنا بني مقرن على عهدرسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا إلا خادمة واحدة فلطمها أحدنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أعتقوها"، وفي رواية أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا خادم لبني مقرن غيرها قال:"فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها"، فأفاد عدم تحتم العتق في الحال وأفاد أنه لا عذر منه عند الاستغناء ولكنه حكى النووي في شرح مسلم عن القاضي عياض أنه قال أجمع العلماء أنه لا يجب إعتاق العبد بشيء مما يفعله سيده من مثل هذا الأمر الخفيف يعني الضرب الخفيف واللطم قال واختلفوا فيما كثر وشنع من ضرب مبرح منهك أو حرقه بنار أو قطع عضوا له أو أفسده أو نحو ذلك فذهب مالك والأوزاعي والليث إلى عتق العبد على سيده بذلك يكون له ولأولاده ويعاقبه السلطان على فعله وقال سائر العلماء لا يعتق عليه انتهى فإذا صح هذا الإجماع كان صارفا للأمر المذكور في حديث سويد بن مقرن من الوجوب إلى الندب فيكون الموجب للعتق من المثلة هو ما كان بقطع أو جدع أو تحريق وما عدا ذلك فإن شنع وأنهك فالأمر باق فيه على معناه الحقيقي ووقوع الإجماع على أنه لا يوجب العتق فلا صارف للأمر عن المعنى الحقيقي.