العتق عليه فثبت له بذلك حق فمن هذه الحيثية عمهم العتق جميعا ويمكن معارضة هذا الرأي برأي أنهض منه فيقال الأصل عدم وقوع العتق فيتوقف على هذا الأصل ولا يثبت للواحد حق فيه إلا بيقين ولا يقين وهو مال الغيير معصوم بعصمة الإسلام فلا يخرج عن ملكه بمجرد الإحتمال وهذا أصل متفق عليه بخلاف من وقع العتق على جزء منه بيقين فإنه قد صار بعضه حرا وذلك حيث يعتق أحد الشريكين في العبد نصه وقد دلت الأحاديث على أن الشريك المعتق إذا كان موسار غرم قيمة نصيب شريكه وإن كان معسرا فقد اختلفت الأحاديث في ذلك ففي بعضها أنه يعتق من العبد ما قد عتق وهو نصيب الشريك ويبقى نصيب الآخر رقا وفي بعضها أن العبد يسعى فإن قلت إذا كانت هذه المسألة التي ذكرها المصنف هنا مبنية على الرأي وقد عارضته برأي أنهض منه فهل من مخلص عن هذين الرأيين بما فيه رائحة دليل يصلح للتمسلك به قلت قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي أعتق ستة أعبد له عند موته وليس له مال غيرهم فأقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتق اثنين وأرق أربعة كما في حديث ابن عمر عند مسلم "٥٦/١٦٦٨"، وغيره أبو داود "٣٩٥٨"، الترمذي "١٣٦٤"، النسائي "١٩٥٨"، وابن ماجة "٢٣٤٥"، وكما في حديث أبي زيد الأنصاري عند أحمد "١٥/١٨٦"، وأبي داود "٣٩٦٠"، والنسائي "٣٨٠٤"، بإسناد رجاله رجال الصحيح فهذه القرعة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستة أعبد قد وقع عتق المالك على كل واحد منهم ثم لما لم ينفذ إلا الثلث كان كل واحد منهم قد عتق ثلثه بيقين ثم حكم الصادق المصدوق بالقرعة فأرق من أرق وأعتق من أعتق على حسب ما اقتضاه الإقراع بينهم وهذا شرع واضح جاء به الذي جاءنا بما شرعه الله لنا وليس بيد من أنكر العمل بالقرعة إلا التشبث بالهباء وتأثير الآراء الرجال على الشريعة الواضحة التي ليلها كنهارها وكيف لا يثبت مثل هذا الحكم فيمن هو دون هؤلاء الستة الأعبد في استحقاق العتق وهو من كان واحدا من جماعة وقع عليه العتق ثم التبس بهم فلم يعرف من هو الذي وقع عليه العتق فإن كل واحد منهم ليس له إلا مجرد احتمال أن يكون العتق واقعا عليه فإن الرجوع إلى القرعة في مثل هذا ثابت بالفحوى ومن ترك العمل بمثل هذه السنة الواضحة زاعما بأنها مخالفة للأصول فليس لهذه الأصول وجود وليست إلا مجرد قواعد لم تدل عليها رواية ولا شهدت لها دراية على أن الرجوع إلى القرعة والعمل بها قد وقع من الشارع في مواضع أخرى ومن ذلك أنه كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ومن ذلك ما فعله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الجماعة المتنازعين في ولد الأمة المشتركة بينهم فقرره صلى الله عليه وسلم واستحسنه وقد تقدم فعرفت بهذا أن القرعة شرع ثابت واضح تنقطع به الشبه وتثبت به الحقوق وإذا تقرر لك هذا عرفت عدم صحة ما تفرع عن كلام المصنف من إيجاب السعاية وما بعدها.
قوله:"ويصح تعليق تعيينه في الذمة" الخ.
أقول: وجهه أنه أوقع العتق مجملا وعلق التعيين بوقت مستقبل فلا يعرف من وقع عليه العتق على التعيين إلا بالتعيين فهذا هو معنى كونه يقع حين التعيين وإن كان الإيقاع سابقا له ولكن لا حكم لهذا الإيقاع المجمل أي لا يترتب عليه شيء من أحكام الحرية.