عليه وعن أبي قلابة مرسلا أن رجلا أعتق عبدا له عن دبر فجعله النبي صلى الله عليه وسلم من الثلث ولا يخفاك أن مثل هذا لا ينتهض للاستدلال به على التحريم للبيع لأن المرفوع لم يصح والموقوف لا حجة فيه لكن لما كان السيد قد أوقع العتق للعبد مقيدا بموته كان هذا هو المانع من البيع لأنه قد أخرجه عن ملكه إخراجا مقيد بوقت فليس له أن ينقض ما أبرمه وأما تسويغ بيعه للفسق فليس في هذا إلا ما أخرجه الشافعي والحاكم والبيهقي عن عائشة أنها باعت مدبرتها التي سحرتها وهذا لا تقوم به حجة لأنه فعل صحابي وأيضا السحر كفر فتلك المدبرة قد صارت كافرة بما فعلته من السحر وأما جواز بيعه للضرورة فلما ثبت في الصحيحين [البخاري "٢٥٣٤"، مسلم "٥٨/٩٩٧"] ،وغيرهما [أبو داود "٣٩٥٥"، ابن ماجة "٢٥١٣"، النسائي "٥/٦٩، ٨٠"] ، من حديث جابر أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من يشتريه مني؟ "، فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا فدفعه إليه فهذا دليل على جواز البيع للحاجة ومما يدل على أن البيع لأجلها تولي النبي صلى الله عليه وسلم للبيع فإن ذلك يفيد أن المدبر للعبد قد أنهى الأمر إليه وشكا إليه حاجته إلى بيعه ولكنه شك في الجواز مع التدبير فأستفتي النبي صلى الله عليه وسلم فباعه ولولا ذلك لم يبلغ الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيد هذا ما وقع في رواية للنسائي من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم باعه بثمانمائة درهم فأعطاه فقال:"اقض دينك وأنفق على عيالك"، فإن هذا يدل على أن البيع لحاجة قضاء الدين والنفقة على العيال فلا يجوز إلحاق البيع لغير حاجة بالبيع لحاجة لوجود الفارق وقد ذهب إلى عدم جواز البيع مطلقا الجمهور كما قال النووي ونقله البيهقي في المعرفة عن أكثر الفقهاء والحديث يرد عليهم.
وأما قوله:"وتطيب للشريك حصته ولو موسرا" ففيه نظر فإن تسويغ البيع للشريك المحتاج لا يستلزم تسويغه للشريك الموسر لكن لما كان عتق الشريك يسري إلى نصيب شريكه بالأدلة المتقدمة وكان ضمان السراية على الشريك إن كان موسرا وإلا سعى العبد كان الأمر هنا هكذا فلا يطيب له ما يدفعه المشتري بل يطيب له ما يغرمه الشريك أو سعى به العبد.
وأما قوله:"فإن زالا" الخ فصحيح لأن العبد المدبر قد عدم المقتضي لبيعه ووجد المانع منه.
وأما قوله:"ويسري إلى من ولد بعده" فليس على هذا دليل يدل عليه لا من رواية ولا من دراية كما قدمنا, أما قوله:"فمن دبره اثنان ... " فصحيح لأن السابق بالتدبير قد أوقع العتق مقيدا فيضمن للشريك إن كان موسرا ويسعى العبد إن كان معسرا إذا اختار العبد ذلك على ما تقدم تقريره وهكذا من دبره اثنان ضمنه الأول إن ترتبا وإلا سعى العبد لمن تأخر موته لأنه عتق بموت الأول لكن ينبغي أن يقال إن الأول موتا يضمن من تركته فإن كان فقيرا سعى العبد إن اختار ذلك وإلا فلا يعتق إلا نصيب من تقدم موته ويبقى نصيب الآخر رقا حتى يموت فيعتق جمعا بين الأدلة كما تقدم وأما كون للمدبر قبل الموت حكم الرق فوجهه ظاهر لأنه لم يجعل عتقه مقيدا بالموت إلا لأجل الانتفاع به قبل الموت وأما استثناء البيع فللدليل المتقدم وهكذا سائر التصرفات.