للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"خمس ليس لهن كفارة"، وذكر منها اليمين التي يقتطع بها مالا بغير حق فصرح النبي صلى الله عليه وسلم بأن اليمين الغموس هي "التي يقتطع بها مال امريء مسلم هو فيها كاذب" وسماها غموسا فلم يبق بحاجة إلى البحث عن معنى الغموس لغة فإن هذا معنى شرعي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم صرح فيه بلفظ الغموس وبين معناها ثم ذكرأنه ليس لها كفارة فأفاد بذلك عدم لزوم كفارة الحنث فيها فصح كلام المصنف بالدليل ولا يرد عليه شيء من التشكيكات التي هي دأب من لم يكن من المؤثرين للدليل على القال والقيل.

قوله: "ولا بالمركبة".

أقول: اليمين لغة وشرعا لا يصدق على مثل هذه المركبة فإنه ليس فيها لفظ القسم بالله أو بصفة لذاته فلا يصدق عليها أنها يمين حتى يحتاج إلى إخراجها عن اليمين التي تجب فيها الكفارة ولا مدخل لها في مباحث اليمين فإن وجد فيها ما يفيد النذر فالكلام فيها كالكلام في النذر وسيأتي وإن لم يكن فيها ما يفيد ذلك فلا يلزم فيها شيء لا وفاء ولا كفارة ومن ادعى غير هذا فعليه الدليل والأموال معصومة بعصمة الإسلام فلا يحل الحكم على شيء منها بإخراجه عن ملك مالكه إلا بنا قل شرعي تقوم به الحجة.

قوله: "ولا بالحلف بغير الله".

أقول: الكفارة إنما أوجبها الله سبحانه في الأيمان الشرعية والحلف بغير الله سبحانه ليس من الأيمان الشرعية بل من الأيمان التي ورد الوعيد عليها والزجر عنها وهذا النهي خاص بالعباد فليس لأحدهم أن يحلف بغير الله كائنا ما كان ولا يجوز الإقسام بما أقسم الله به من مخلوقاته فإنه سبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وله أن يقسم بما شاء كيف شاء من مخلوقاته وعلى العباد أن يمتثلوا ما شرعه لهم على لسان رسوله من ترك الحلف بغير الله سبحانه وهذا ظاهر واضح لا يخفى.

قوله: "ولا الإثم ما لم يسو في التعظيم".

أقول: أقل ما تقتضيه الأحاديث الكثيرة في النهي عن الحلف بغير الله والوعيد الشديد عليه أن يكون الفاعل لذلك آثما لأنه أقدم على فعل محرم والإثم لازم من لوازم الحرام وأما الاستدلال على عدم الإثم بما ورد في غاية الندرة والقلة كحديث: "أفلح وأبيه إن صدق"، فمن الغرائب والمغالظ وكيف تهمل المناهي والزواجر التي وردت موردا يقرب من التواتر بمثل هذا الذي تعرض العلماء لتأويله بوجوه من وجوه التأويل التي يجب استعمالها والمصير إليها فيما خالف السنن الظاهرة المشتهرة على أنه قد تقرر في الأصول أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم لما نهى عن الأمة يدل على اختصاصه به وأما التسوية في التعظيم فهي موجبة للإثم الشديد لمجردها ولو كانت في غير اليمين بل ذلك نوع من أنواع الإشراك بالله سبحانه وهكذا ما تضمن كفرا أو فسقا فإنه يأثم بمجرد ذلك وقد وردت الأدلة بأن الحالف بما يقتضي الكفر يلزمه ما حلف به ويكون كما قال وورد أنه يؤمر بأن يقول: "لا إله إلا الله" [البخاري "٦٦٥٠"، مسلم

<<  <   >  >>