عند أحمد "١٧/١٤٨"، بلفظ:"ولاتأكل من البندقة إلا ما ذكيت"، فالمراد بالبندقة هنا هي التي تتخذ من طين يرمي بها بعد أن تيبس وفي صحيح البخاري "٩/٦٠٣"، قال ابن عمر في المقتولة بالبندقة:"تلك الموقوذة" وكرهه سالم والقاسم ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن.
وهكذا ما صيد بحصى الخذف فقد ثبت في الصحيحين البخاري "٦٢٢٠"، مسلم "٥٥/١٩٥٤"، وغيرهما أبو داود "٥٢٧٠"، النسائي "٧/٤٧"، ابن ماجة "٣٢٢٦"، من حديث عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال:"إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين"، ومثل هذا ما قتل بالرمي بالحجارة غير المحددة إذا لم تخرق فإنه وقيذ لا يحل وأما إذا خرقت حل.
وأما قوله:"وإن قصد به غيره" فلا وجه له لأنه لا بد أن يكون الصائد صائدا لصيد معين مرسلا لسهمه عليه مسميا عند الرمي لكنه إذا أطلق التسمية بجعلها لصيد معين كمن يرمي إلى قطيع من الصيد فيسمى على ما أصابه السهم منها فهذا صيد حلال.
وأما قوله:"لم يشاركه كافر فيهما" فقد عرفت أنه لا دليل على تحريم صيد الكافر فلا يضر مشاركته للمسلم إذا وقعت منه التسمية وأما كون الأصل في الملتبس الحظر فهو يستقيم فيما إذا وجد الصيد قد قتله الجارح ولم يدر هل ما أرسله هو الذي أصابه أو غيره وهكذا إذا شك هل السهم الذي فيه هو سهمه أو سهم غيره وأما إذا شك هل أمسكه الجارح على الصائد أم أمسكه لنفسه فالأصل عدم إمساكه لنفسه بعد تعليمه وإرساله والتسمية عليه كما تقدم وهكذا إذا شك هل أكل منه أم لا؟ فالأصل عدم أكله منه وأما إذا تيقن أنه أكل منه لم يحل صيده لما قدمنا في الحديث الصحيح من اشتراطه صلى الله عليه وسلم عدم أكل الجارح من الصيد.
وأما ما أخرجه أبو داود "٢٨٥٧"، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال: يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها فقال: "كل مما أمسك عليك وإن أكل منه" فهذا الحديث لا يعارض ما ثبت في الصحيح ولا سيما بعد تعليله صلى الله عليه وسلم بقوله: "فإنما أمسك على نفسه"، وقد قيل أنه يجمع بين الأحاديث بأن النهي محمول على ما إذا قتله كلب ونحوه وخلاه ثم عاد وأكل منه ولا وجه لهذا الجمع ولا يقوي الحديث على معارضة الأحاديث الثابتة في الصحيحين من طرق ولا سيما بعد اشتمالها على النهي عن الأكل كما في حديث عدي بن حاتم في الصحيحين وغيرهما بلفظ:"إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل".
وأما كونه لمن أثر سهمه فظاهر لأن الاصطياد وقع به ولا حكم للآخر وأما التذكية حيا فوجه وجوب ذلك ما في الصحيحين وغيرهما من حديث عدي بن حاتم بلفظ:"فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه" فإنه يدل على وجوب التذكية لما أدركه حيا.