وفي هذه الآيات أعظم دلالة على وجوب التستر عليهن وتحريم النظر إليهن.
وأما الأحاديث الواردة على تحريم النظر فهي كثيرة جدا ومنها التحذير من النظر والتنبيه على سوء عاقبته وعظيم مفسدته والتصريح بأن النظرة الأولى عفو والثانية على الناظر ونحو ذلك مما لا يتسع المقام لبسطه والتحريم على النساء في نظرهن إلى الرجال كالتحريم على الرجال في النظر إليهن لأمرهم بغض الأبصار كما أمروا بغضها ولحديث "أفعمياوان أنتما؟ " ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت بدليل صحيح لا بمجرد قول من لا تقوم به الحجة فما ثبت في تفسير الاستثناء بقوله عزوجل: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} كان في حكم المستثنى من عمومات الكتاب والسنة ولا يصح الاستدلال على الجواز بأن المرأة تكشف وجهها في إحرامها أو حال صلاتها فإن ذلك ليس فيه شيء من الدلالة لأن المرأة قد سوغ لها الشارع كشف وجهها عند ذلك ولم يجوز للرجال النظر إليها في هذه الحالة بل هم مأمورون بغض البصر في هذه الحال وغيرها كما أنه لا يجب على الرجال أن يستروا وجوههم عند مخالطتهم للنساء بل عليهن أن لا ينظرن إليهم لأنهن مأمورات بغض أبصارهم فاعرف هذا ففيه ما يغني عن الاستدلال بما لا دلالة فيه على الجواز أو عدمه وبما هو عن الدلالة على المطلوب في أبعد مكان.
قوله:"غير الطفلة والقاعدة إلا الأربعة".
أقول: أما الطفلة فظاهر لخروجها عن الخطاب وعدم أن يتصور في مثلها الإيجاب وأما القاعدة فلقوله عزوجل: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ}[النور: ٦٠] ، وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز لهن أن يضعن ثيابهن عما عدا الوجه واليدين فرفع الجناح عنهن هو عن وضع الثياب التي على الوجه والكفين فكان ذلك دليلا على جواز النظر إليهم ودليلا أيضا على أن غير القواعد يحرم النظر إليهن فهذه الآية من جملة الآيات الدالة على تحريم النظر إلى الأجنبية كما تقدم.
وأما استثناء الأربعة فقد جاءت السنة بجواز النظر من الخاطب إلى المخطوبة وأما الثلاثة الآخرون وهم الطبيب والشاهد والحاكم فقد ادعى الإجماع على ذلك ولا أدري كيف هذا النقل فإن صح فذاك مع أن نظر الثلاثة المذكورين إليها عند مندوحه وذلك بأن يأمر الشاهد أو الحاكم أو الطبيب النساء أن ينظرن إلى الموضع الذي تدعو الحاجة إلى النظر إليه ثم يصنف لهم فإن في ذلك ما يغني عن النظر المحرم مع كونه وقوفا على مقدار الحاجة وإن كان دون النظر منهم أنفسهم.
قوله:"ومن المحرم المغلظ والبطن والظهر".
أقول: أما المغلظ فظاهر وهو عند المصنف من السرة إلى تحت الركبة وهذه هي عورة الجنس مع جنسه والأدلة الدالة على تحريم النظر إلى العورة من الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة وأما مع اختلاف الجنس فقد تقدم تحريم النظر مطلقا وأما استثناء