أقول: استدلوا على ذلك بقوله سبحانه: {صَعِيداً طَيِّباً}[المائدة: ٦] ، وأجيب بأن الطيب المذكور مشترك بين معنيي الطهارة عن النجاسة والحل والأليق بالمقام المعنى الأول لا الثاني وأولى من هذا الجواب أن يقال المعنى الحقيقي للطيب هو الطاهر وأما الحلال فمجاز له لا حقيقة كما يفيد ذلك ما ذكره الزمخشري في أساسه.
ولكنه يغني عن الاستدلال بالآية ما ورد في الكتاب والسنة من تحريم ما ليس بحلال فلا يحتاج إلي الاستدلال بدليل آخر فالآية قد دلت على اعتبار كون التراب طاهرا وأدلة تحريم ما للغير قد دلت على اعتبار كون التراب مباحا حلالا.
قوله:"منبت يعلق باليد".
أقول: أما كونه منبتا فلم يدل على ذلك دليل أصلا بل المراد ما يصدق عليه اسم التراب وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه تيمم من الحائط وصح عنه أنه قال: "جعلت لي الأرض مسجدا وتربتها طهورا".
فكل تراب يحصل به مقصود التيمم يرفع الحدث وأما ما روي عن ابن عباس أنه قال أطيب الصعيد تراب الحرث كما أخرجه عنه البيهقي وغيره فلم يشترط القرآن ولا السنة أطيب الصعيد ولا يستلزم كون أطيب الصعيد تراب الحرث أنه لا يجزىء في التيمم إلا هو وغايته أن التيمم به أحب من غيره لكونه الأطيب وقد دل أفعل التفضيل أن غيره طيب فحصل به مقصود التيمم وقد ثبت أن المدينة سبخة وقد كانوا يتيممون منها ولم ينقل أنهم طلبوا ترابا للتيمم وهكذا كانوا يتيممون عند حضور وقت الصلاة مع عدم الماء بما يجدونه من التراب.
وأما اشتراط كون التراب يعلق باليد فوجهه قوله سبحانه وتعالي:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}[المائدة: ٦] ، وقد قدمنا ذلك.
وأما اشتراط كونه لم يشبه مستعمل فليس على عدم كون المستعمل طهورا دليل صحيح لا في الماء ولا في التراب وقد أوضحنا ذلك في الوضوء فليرجع إليه.
قوله:"وفروضه التسمية ومقارنة أوله بنية معينة".
أقول: الكلام في التسمية والنية هنا كالكلام في الوضوء وأما كون النية هنا لا بد أن تكون معينة وأنه لا يتبع الفرض إلا نفله أو شرطه فمبنى على أنه لا يجوز بالتيمم إلا فريضة واحدة وأنه يبطل بالفراغ منها واستدلوا على ذلك بما روى عن ابن عباس أنه قال من السنة أن لا يصلي بالتيمم إلا مكتوبة ثم يتيمم للأخرى كما أخرجه الدارقطني والبيهقي وفي إسناده الحسن بن عمارة وهو متروك مجمع على تركه وقد روى عن غيره نحو ذلك من قوله غير مرفوع منها عن علي وفي إسناده ضعيفان وهما الحارث الأعور والحاج ابن أرطأة ومنها عن عمرو بن العاص وابن عمر ولا يقوم شيء من ذلك حجة.
والعجب ممن قال إنه ينجبر ما فيها بالإجماع فإن المرفوع باطل والموقوف لا حجة فيه.