للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التلقين للخصم بل هو مما يلزم ولهذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم للمدعي: "ألك بينه؟ "، كما في صحيح مسلم وغيره وإنما قلنا: إن البينة لا تقبل بعد اليمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "شاهدك أو يمينه"، وهو في الصحيحين وغيرهما فجعل الحكم دائرا على إحدى السببين وقد قضي باليمين وحدها وسيأتي للمصنف قريبا أنها البينة بعد اليمين وليس على ذلك دليل تقوم به الحجة.

قوله: "ويجب الحق بالنكول".

أقول: الأسباب التي ورد بها الشرع الإقرار أو البينة أو اليمين فإذا حصل واحد من هذه على وجه الصحة فقد وجب به حكم الشرع ووجب عنده إلزام الخصم وأما النكول فهو إن كان من أقوى القرائن على صدق دعوى المدعي ولكن لما كان الحامل عليه قد يكون الترفع عن اليمين كما يفعله كثير من المتكبرين وقد يكون الحامل عليه مزيد الغباوة ممن توجهت عليه اليمين وعدم علمه بأن اليمين واجبه عليه وقد يكون الحامل عليه ما يعتقده كثير من العامة أن مجرد الحلف ولو على حق لا يجوز وأنه يأثم الفاعل له فلما كان الأمر هكذا لم يكن مجرد النكول سببا شرعيا للحكم.

فإن قلت فإذا عجز المدعي عن البينة وامتنع خصمه عن اليمين ضاع الحق وترك العمل بما يوجبه الشرع من إيصال كل ذي حق بحقه وإنصاف المظلوم من الظالم؟

قلت لا يجوز تقرير الممتنع من اليمين على امتناعه فإن ذلك يؤدي إلى ضياع الحق كما ذكرت ويوجب ترك حكم الشيء وما يجب من الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة أحكام الله بل يجب على الأئمة وحكام الشرع أن يعرفوا الناكل بأن اليمين حق واجب عليه وأنه لا يجوز له الامتناع منها فإن أجاب فذاك وإن لم يجب أنزلوا به بعض ما ينزل بمن لم يقبل الحق ولم يجب إلى الشرع من الأخذ بيده وأطره على الحق أطرا ولو بأن يمسه سوط من العذاب فإن الحق لا يتم إلا بذلك والشرع لا يمضي إلا به وقد أوجب الله على عباده الحكم بالحق والعدل وكف يد الظالم عن المظلوم واستخراج المظلمة من يد الظالم وردها إلى المظلوم فيجب التوصل إلى ذلك بما يسوغه الشرع وقد قدمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزبير أن يعذب اليهودي حتى يقر بالمال لحيي بن أخطب ويدل على موضعه.

وإذا تقرر لك هذا عرفت أنه لا حاجة لقول المصنف: "إلا في الحد والنسب".

وأما قوله: "قيل: ومع سكوته يحبس حتى يقر أو ينكر" فصحيح ووجهه أنه إذا لم يكن للمدعي بينة وصمم خصمه على ترك إجابه الدعوى كان تقريره على ذلك إهمالا لتنفيذ أحكام الله وسد لباب العدل وفتحا لباب الجور وتخلية بين الظالم والمظلوم فحسبه هو أقل ما يستحقه ثم إذا لم يؤثر ذلك وجب على القاضي أن ينزل به سوطا من العقوبة كما قدمنا حتى يقر أو ينكر.

وأما قوله: "ويقبل اليمين بعد النكول" فصحيح ووجهه ظاهرة لأنه امتنع من حق يجب عليه فإذا أجاب إليه وجب علينا قبوله ومجرد تلكئه عن يمين في الابتداء لا يصلح مستندا للحكم عليه كما قدمنا.

<<  <   >  >>