للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على أخيه ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت" وهو الذي ينفق عليه أهل البيت وفي الباب أحاديث مقوية لهذا الحديث قد استوفيناها في شرح المنتقى وسيأتي للمصنف في الفصل الذي بعد هذا تعداد من لا تصح شهادتهم عنده وسنتكلم على ذلك إن شاء الله.

فالحاصل أن أعظم أركان العدالة تحري الصدق وعدم التسامح في الكلام والتزيد فيه فمن كان هكذا فهو الشاهد العدل ولا يحتاج بعده إلا إلى أن يكون في الحال ظاهر العدالة التي هي ملكة تمنع النفس عن اقتراف الكبائر والرذائل ولا يحتاج إلى كثرة التفتيش عن حاله بزيادة على هذا كما يقول بعض أهل الأصول إن الفسق مانع فلا بد من تحقيق عدمه بل نقول الفسق وإن كان مانعا فالأصل عدم وجوده فيبنى على هذا الأصل حتى يقوم ما ينقل عنه.

قوله: "وإلا لم يصح وإن رضي الخصم".

أقول: أما مع رضا الخصم فهذا الرضا بالشهادة يدفع كل علة ترد عليها فكأنه قد رضي بإثبات ما شهدت عليه به إذا لم يكن الرضا لقصور في فهمه وإدراكه كمن يظن أن مجرد شهادة الشهود عليه على أي صفة كانت موجبة لثبوت الحق عليه.

وأما قوله: "وحضوره أو نائبه" فهذا صحيح لأن هذه شهادة عليه يتعقبها إلزامه بما شهدوا به فقد يكون في حضوره التنبيه لهم على خلاف ما يعتقدونه لوهم عرض لهم وشبهة حصلت عليهم وأيضا له أن يجرحهم فيما شهدوا به فلا بد أن يعلم بكيفية شهادتهم عليه حتى ينفتح له باب الجرح إذا شهدوا بباطل عمدا أو سهوا.

قوله: "ويجوز للتهمة تحليفهم".

أقول: هذا التحليف للشهود مضارة لهم وقد قال الله عزوجل: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: ١٨٢] ، وليس المعتبر فيهم إلا أن يكونوا عدولا مرضيين كما نطق به الكتاب العزيز فإن كانوا كذلك لم يتعلق بهم تهمة فلا يجوز تحليفهم وإن تعلقت بهم تهمة فليسوا بعدول مرضيين فشهادتهم مردودة من هذه الحيثية.

وأما الاستدلال بقوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} [المائدة: ١٠٧] ، فهذه القصة منسوخة مع كونها واردة في أهل الذمة ودعوى فسح بعضها دون بعض تحكم يأباه الإنصاف.

قوله: "وتفريقهم".

أقول: أما إذا كانوا عدولا مرضيين فلا يجوز هذا التفريق لأنه يفت في أعضادهم وعضد من شهدوا له بغير سبب يوجب ذلك مع كونه لم يرد به شرع يجب اتباعه ويتعين المصير إليه وأما إذا كان حالهم عند الحاكم ملتبسا فأراد أن يختبر صدقهم واتفاقهم على ما شهدوا به فلا بأس بهذا فإنه مما يتوصل به إلى إثبات الحق ودفع الباطل وقد انتفعنا بهذا التفريق في غير قضية

<<  <   >  >>