وصحيحها أن يضمن ما قد ثبت في ذمة معلومة ولو مجهولا ولا رجوع أو سيثبت فيها وله الرجوع قبله وفاسدها أن يضمن بغير ما قد ثبت كبعين قيمي قد تلف وما سوى ذلك فباطلة كالمصادرة وضمنت ما يغرق أو يسرق ونحوهما إلا لغرض"
قوله: "فصل: وصحيحها أن يضمن بما قد ثبت في ذمة معلومة" الخ.
أقول: اعلم أن دخول الكفيل في الكفالة باختيار نفسه هو إلزام لنفسه بما لزم للغير على معين والتزام بما ذهب على الغير وهذا أمر يصح من المكلف الدخول فيه لأنه رضي بما يتعقبه من الضمان وللإنسان أن يخرج من ماله ما شاء فيما شاء ولا فرق بين أن يخرج شيئا من ماله تمليكا للغير أو هبة له أو نذرا عليه وبين أن يلزم نفسه ما لزم فلانا أو بما ذهب على فلان والجهالة في الحال لا تؤثر فسادا في هذه الكفالة ولا بطلانا لأن الاعتبار في مثل هذا بما ينتهي إليه الحال وهو سينتهي إلى العلم بقدره جملة أو تفصيلا.
وإذا عرفت هذا فالضمانة على المعين بالمعلوم وبالمجهول وبما قد ثبت وبما سيثبت وبما على المصادر وبما يسرق أو يغرق أو يتلف بوجه من وجوه التلف كلها متفقة في اختيار المكلف لنفسه بما يلزمه من الضمان وإلزام لها بذلك من غير إكراه ولا إجبار وله أن يتصرف في ماله بما شاء وكيف شاء من غير إضاعة ولا في أمر لا يبيحه الشرع وليس في شيء من هذه الصور إضاعة مال ولا تصرف به في غير حلال فإن التزامه بما على المصادر قربة عظيمة وتفريج كربة ودفع ظلامة وأما الضمانة بعين فيما قد تلف فمعلوم عند كل عاقل أنه لا يراد منها الضمان بعين التالف لأن ذلك لا يسوغه عقل عاقل فلا بد أن يحمل على ما يصح في العقل وهو الضمانة بمثل تلك العين أو بقيمتها ولا يصح أن تكون الكفالة لاغية في مثل هذا لأنه قد أدخل نفسه فيما أدخلها فيه والمفروض أنه كامل العقل صحيح التصرف ولا يصح الرجوع في جميع هذه الأنواع على جميع التقادير فاعرف هذا فإنه الذي ينبغي المصير إليه والتعويل عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: "الزعيم غارم".
[فصل
ويرجع المأمور بالتسليم مطلقا أو بها في الصحيحة لا المتبرع مطلقا وفي الباطلة إلا على القابض وكذلك في الفاسدة إن سلم عما لزمه لا عن الأصل فمتبرع] .
قوله: "فصل: ويرجع المأمور بالتسليم مطلقا".
أقول: هذا وجهه ظاهر واضح لأنه غرم لحقه بسبب أمره بالكفالة وتسليم ما اشتملت