شيئا فلم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوه لأحد لتركوا لمعاذ لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فباع رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ماله حتى قام معاذ بغير شيء"، رواه سعيد بن منصور في سننه هكذا مرسلا وأخرجه أيضا أبو داود وعبد الرزاق قال عبد الحق المرسل أصح وقال ابن الطلاع في الأحكام هو حديث ثابت انتهى.
ويدل على أنه يجوز حجر جميع مال المفلس وتفريقه كله بين أهل الدين ما ثبت في صحيح مسلم "١٨/١٥٥٦"، وغيره أبو داود [٣٤٦٩"، الترمذي "٦٥٥"، النسائي "٤٥٣٠"، ابن ماجة "٢٣٥٦"] ،من حديث أبي سعيد أن رجلا ابتاع ثمارا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتها جانحة فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تصدقوا عليه"، فتصدق الناس فلم يبلغ وفاء دينيه فقال:"خذوا ما وجدتم ليس لكم إلا ذلك" ومعلوم أنه إذا جاز تفريق مال المفلس جميعه بين أهل الدين كان جواز حجره حتى يفرق بين أهل الدين ثابتا بفحوى الخطاب وأما اشتراط أن يكون الدين حالا فوجهه أنه لا يتضيق عليه القضاء المسوغ لحبس ماله وحجره عنه إلا عند حلول الأجل.
وأما قوله:"أن طلبه خصومه" فوجهه ظاهر لأنهم لو تركوا طلبه لكان ذلك موسعا من خناقه ومنفسا عنه.
وأما قوله:"ولو قبل التثبيت بثلاث" فإذا رأى الحاكم في ذلك صلاحا من غير تقييد بالثلاث وذلك عند قيام القرائن الدالة على صدق المدعي أو على أن المدعى عليه سيتصرف في ماله ويخرجه عن ملكه وأما كون الحجر لواحد من الغرماء يكون حجرا لجميع الغرماء فغير مسلم لأن حجرجزء من المال بقدر دين الطالب يكفي وينتظر طلب الآخرين إلا أن يرى الحاكم في ذلك صلاحا لوجه من الوجوه فلا بأس بالحجر لجميع المال عن جميع الغرماء وإذا ساغ حجر جميع المال لطلب جميع الغرماء أو لطلب بعضهم ورأى الحاكم في جميع الحجر مصلحة تناول الحجر ما زاد من المال على قدر الدين وما دخل في ملكه في المستقبل بعد الحجر لأن المفروض أنه حجر الجميع والزائد والمستقبل من جملة ما يصدق عليه أنه من مال من عليه الدين فإن أمكن تعليق الحجر بما يفي الدين أهل الدين من غير تعميم إذا كان في ماله زيادة على قدر ما عليه من الدين فهذا هو الوجه العدل وإن لم يمكن إلا بحجر الكل كان ذلك سائغا لأنه لا يمكن حفظ مال الذي عليه الدين ليقضى منه غرماؤه إلا بذلك وهو معنى قول المصنف ويدخله التعميم والتخصيص.
وأما قوله:"فلا ينفذ فيما تناوله تصرف" فهذا صحيح لأن معنى الحجر هو المنع للمالك من التصرفات به فلو نفذ له تصرف فيه لم يحصل ما هو المطلوب به ولتسارع الماطلون إلى إخراج أموالهم بأنواع الإقرارات والإنشاءات وأما إذا أجاز ذلك الغرماء فهم أهل الحق ولهم أن يأذنوا لما شاءوا وأما الحاكم فليس له أن يجيز إلا إذا عرف رضاء الغرماء بذلك لأنه لا حق له إنما هو قائم في مقام التعريف بأحكام الله عزوجل فليس له أن يفك الحجر من جهة نفسه لغير سبب يقتضي ذلك.
وأما قوله:"أو بعد الفك" فلا بد من تقييده بكونه إما بقضاء الدين الذي كان الحجر لأجله