لهم ما تدعوا إليه الحاجة مع كونهم كاسبين بسيوفهم وأعمالهم وهكذا ينبغي أن يترك للمفلس على كل تقدير ما تدعو إليه حاجته من الطعام والإدام إلى وقت الدخل وهكذا يترك للمجاهد والمحتاج إلى المدافعة عن نفسه أو ماله سلاحه وللعالم ما يحتاج إليه من كتب التدريس والإفتاء والتصنيف وهكذا يترك لمن كان معاشه بالحرث مايحتاج إليه من الحرث من دابة وآلة حرث وهكذا يترك لمن كان كسبه بدابته بتأجيرها ونحو ذلك تلك الدابة.
والوجه في استثناء هذه أن الحاجة إليها كالحاجة إلى تلك الأمور التي استثناها المصنف ولا شك أن الرجل الكسوب الساعي في وجوه الرزق وأبواب الدخل هو في حكم المستغنى عن استثناء القوت والإدام إذا كان يتحصل له من الكسب ما يقوم بذلك وإن كان كسبه يقصر عن الوفاء بما يحتاج إليه كان له حكم غيره في الحكم الذي تدعو الحاجة إليه.
والحاصل أن تفويض مثل هذه الأمور إلى أنظار حكام العدل العارفين بالحكم بما أنزل الله هو الذي لا ينبغي غيره لاختلاف الأحوال والأشخاص والأمكنة والأزمنة.
وأما قوله:"وينجم عليه بلا إجحاف" فالذي ينبغي اعتماده هو ما فضل عن الكفاية المعتبرة إن وجد ذلك وإلا كان الحكم هو قول الله عزوجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}[البقرة: ٢٨٠] .
وأما قوله:"ولا يلزمه الإيصال" فيرده حديث علي على اليد ما أخذت حتى تؤديه وقد تقدم الكلام على هذا الحديث.
أقول: أما سببية الصغر للحجر والرق والجنون فالأمر في ذلك كذلك لأن لصغير لا يتصرف عنه وليه كما تقدم والعبد لا يملك شيئا ولا يتصرف في شيء إلا بإذن مولاه والمجنون يتصرف عنه وليه لأنه لا يعقل ما فيه النفع والضرر وقلم التكليف لم يجر عليه مادام مجنونا فجعل المصنف عدم صحة تصرف هؤلاء شرعا حجرا عليهم من جهة الشرع وأما المرض فلا وجه لجعله حجرا لأن تصرفاته نافذة شرعا ما دام ثابت العقل وسيأتي الفرق بين المرض المخوف وغيره وأما الرهن فوجه كونه بمنزلة الحجر ما دام رهنا ظاهر لأن الحق قد تعلق به للمرتهن فلا يخرج عن الرهنية إلا بما تقدم في كتاب الرهن.
وأعلم أن من جملة أسباب الحجر السفه وسوء التصرف وعدم إدراك ما فيه مصلحة من مفسدة وما فيه ربح من خسر وقد قامت على ذلك الأدلة وقد استوفينا البحث في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه.
وأما قوله:"ولا يحل به المؤجل" فوجهه أن التأجيل قد صار حقا للمديون ولم يحصل بالحجر عليه ما يقتضي سقوط الحق الثابت له.