وعبد الرزاق وأحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه جماعة من الأئمة منهم أحمد والحاكم وابن حبان والبيهقي.
والحاصل أن هذا الحديث قد كثرت طرقه وخرجت في بعضها من مخرج الصحيح وفي بعضها من مخرج الحسن فالحجة قائمة والعمل بما دل عليه متعين ولم يأت من أعله بما يقدح فيه وعلى تقدير تضعيف بعض طرقه فقد صح البعض الآخر قال الشافعي في رسالته لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عبد البر هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم يستغنى بشهرته عن الإسناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة وقال يعقوب بن سفيان لا أعلم في جميع الكتب المنقولة كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم هذا فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم.
إذا عرفت هذا فالعجب العجب ممن يدعي أنه من أهل الإنصاف ومن العاملين بالحق المؤثرين له على الرأي كيف يدفع هذا الحديث بمجرد دعواه مخالفته لقياس أوهن من بيت العنكبوت وأخفى من السها وأبعد من كل بعيد.
وأما قوله:"ويتوفى ورثته نصف ديته" فلم يدل على هذا دليل يصلح لتقييد ما دل على أنه يقتل الرجل بالمرأة فالظاهر أنه يقتل بها كما تقتل به من غير شيء.
قوله:"وجماعة بواحد".
أقول: قد علمنا من الحكمة في مشروعية القصاص بين العباد أن فيه للناس حياة كما قال عز وجل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩] ، ولو كان اجتماع جماعة على قتل واحد لا يقتضي ثبوت القصاص منهم لكان هذا سببا يتذرع به إلى قتل النفوس فإن الزاجر الأعظم إنما هو القتل لا الدية فإن ذلك يسهل على أهل الأموال ويسهل أيضا على الفقراء لأنهم يعذرون عن الدية بسبب فقرهم فإذا كان القتيل ثبت قتله بفعلهم جميعا كما سيذكره المصنف فالاقتصاص منهم هو الذي تقتضيه الحكمة الشرعية الثابتة في كتاب الله عزوجل ولهذا شبه الله سبحانه قاتل النفس بمن قتل الناس جميعا ورحم الله عمر بن الخطاب ورضي عنه ما كان أبصره بالمسالك الشرعية وأعرفه بما فيه المصلحة الدينية العائدة على العباد بأعظم الفائدة فقد ثبت عنه أنه قتل سبعة بواحد تمالوا على قتله وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا قال البخاري في الصحيح قال لي ابن بشار حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن غلاما ما قتل غيلة فقال فيه عمر:"لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم به" وهو في الموطأ بأطول من هذا ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه خالف عمر في ذلك والعجب ممن يعتمد في دفع هذه المسألة ويلزم سقوط القصاص لمسألة مقدور بين قادرين وهي أهون على المتشرع من شراك نعله.