للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فصل

ولا شيء في راقي نخلة مات بالرؤية غالبا أو بالزجر إن لم ينزجر بدونه ولا على الممسك والصابر إلا الأدب بل المعري والحابس حتى مات جوعا أو بردا وفي المكره خلاف والعبرة في عبد وكافر رميا فاختلف حالهما بالمسقط لا بالأنتهاء] .

قوله: "فصل ولا شيء في راقي نخلة" الخ.

أقول: وجه هذا أن التعدي من الراقي لكونه ملكا للغير لم يأذن له الشرع بدخوله ولا بالصعود على النابت فيه فإذا فزع برؤية المالك فسقط فهلك فهو الجاني على نفسه لم يحصل من المالك سبب يوجب الضمان لأنه دخل ملكه ونظره فصادف النظر من دخل إليه تعديا وهكذا له أن يزجره عن دخوله إلى ملكه وصعوده إلى شجره لأن للمالك أن يذب عن ملكه بما يدفع به المتعدي ولو فعل من الزجر ما يندفع بدونه وما المانع له من ذلك فهو زجر من يستحق الزجر وصاح على سارق ورفع صوته على من لم يمتثل لما شرعه الله وعلى من تعدى حدوده.

قوله: "ولا على الممسك والصابر إلا الأدب".

أقول: كل واحد منهما قد فعل عظيما واقترف إثما كبيرا ولكن لما كان ذهاب حياته بفعل القاتل كان هو الجاني على الحقيقة ويرجع في عقوبة الممسك والصابر إلى ما يراه الإمام أو الحاكم من الحبس لما أخرجه الدارقطني والبيهقي بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك"، وصححه ابن القطان.

وأما المعري والحابس حتى مات جوعا أو بردا فلا يخفى أنهما قاتلان عمدا عدوانا ولا اعتبار باختلاف الأسباب التي كان بها ذهاب الحياة ومفارقة الروح للجسد وليسا بمسببين بل هما مباشران بالتعرية أو الحبس فإن ذلك لا فرق بينه وبين القتل بالسيف والطعن بالرمح لأن كل واحد منهما قد أفضى إلى الموت كما أفضى إليه الضرب والطعن ومن يعقل الحقائق كما ينبغي لم يخف عليه مثل هذا.

قوله: "وفي المكره خلاف".

أقول: المسلم معصوم بعصمة الإسلام فلا يجوز الإقدام على سفك دمه لمجرد الإكراه بل على من طلب منه ذلك أن يمتنع ولو خشي على نفسه القتل فضلا عما دونه فليس له أن يطلب حياة نفسه بموت غيره ويجعل نفس المسلم فداء لنفسه فإذا أقدم على قتله مع تمكنه من الكف فقد أقدم إقداما يخالف الشرع فاستحق أن يقتص منه وأما إذا لم يتمكن من الكف بوجه من الوجوه كأن يضع المكره له سيفا في يده ثم يأخذ بيده فيضرب بها عنق رجل فلا شك ولا ريب أن القصاص هاهنا على المكره له لأنه صار كالآبة له وليس على من وقع عليه الإكراه

<<  <   >  >>