للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥- المعرفة العقلية:

من المعارف ما يكتسب عن طريق العقل والتأمل الفكري من مسالك اكتساب المعارف والعلوم وما يرتبط بذلك من تحليل وتركيب وقياس واستنتاج وربط. والقرآن الكريم حافل بالأمثلة التي تحث المسلمين على استخدام عقولهم وتفكيرهم في الاختيار والتمييز والمفاضلة، بل وتحث المسلمين أيضا على تحكيم العقل في الأمور التي لم يرد فيها نص ديني صريح، ولقد ارتقى الله بالإنسان بأن جعل له عقلا يميز به وهو مطالب بأن يستخدم هذه النعمة التي أنعم الله بها عليه. والعقل مصدر هام للمعرفة التي منها نستمد أحكاما يتسق بعضها مع بعض. فمثلا نجد أن الحقائق المنطقية والرياضية هي أنواع من المعرفة التي تحتكم إلى العقل. خذ مثلا القضية القائلة بأن القوانين المتناقضين لا يمكن أن يكونا صادقين في نفس الوقت، أو القضية القائلة بأن الخطين المتوازيين لا يلتقيان. فهاتان القضيتان مستقلتان عن الأمثلة الواقعية وغير مستمدتين من الحواس. إنهما صحيحتان بغض النظر عن خبرتنا بهما. هؤلاء الذين يؤكدون أن العقل هو العامل الهام في المعرفة في شكل حقائق مجردة وفي شكل انطباعات منفصلة، ولكنهم يعتقدون أن الفكر يقوم بتفسير وتنظيم هذه الأجزاء الضئيلة من المعلومات فيما يمكن أن نطلق عليه اسم المعرفة الثابتة ذات القيمة.

إن المعرفة عند ابن سينا تنقسم إلى ثلاثة أنواع: معرفة بالفطرة، ومعرفة بالفكرة، ومعرفة بالحدس، فأما المعرفة بالفطرة فهي المبادئ الأولى كقولنا: "إن الواحد نصف الاثنين". وأما المعرفة بالفكرة فهي معرفة مكتسبة وتكون أكبر من مجهود النوع الأول ولا يدركها إلا من وصل إلى مرتبة العقل المستفاد. وهناك نوع ثالث من المعرفة هو المعرفة بالحدس ... فمن الناس من لا يحتاج في أن يتصل بالعقل الفعال إلى كبير عناء وإلى تخريج وتعليم، بل تراه كأنه يعرف كل شيء بنفسه حدسا بلا قياس وبلا معلم كأن فيه روحا قدسية. وهذا الاستعداد الحدسي ليس على درجة واحدة في جميع الناس وإنما هو متفاوت تفاوتا لا ينحصر في حد.

على أن المعرفة المستفادة من خلال العقل لها حدود عامة. فهي تنحو إلى

<<  <   >  >>