للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى الأصول فقس فروعك لا ... تقس فرعا بفرع كالجهول الحائر

والشر ما فيه فديتك أسوة ... فانظر ولا تحفل بزلة ماهر

وهذا يعني أن التقليد بدون فهم أو وعي لا يجوز لأهل العلم والعلماء.

أما العامة من الناس فلا خلاف في أنهم يقلدون علماءهم وهم المقصودون بقوله عز وجل: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} . وقد أجمع العلماء على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره من الثقات إذا أشكلت عليه معرفة القبلة. فكذلك من لا علم له ولا بصر لا بد له من تقليد عالمه.

ويقصد بالتقليد في معنى من المعاني المعرفة التي تؤخذ عن رجال يطمأن عليهم ويوثق في علمهم وهو ما صنفناه تحت المعرفة الوثقى. ولكن التقليد الذي نقصده هنا هو الاقتداء تمشيا مع قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وقد ضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا عندما قال لأصحابه: "صلوا كما رأيتموني أصلي" والتقليد بهذا المعنى مصدر من مصادر المعرفة.

بيد أن ما يعنيه الإسلام هو التقليد الواعي الحكيم الذي يتحقق به منفعة محققة للإنسان. أما القليد الأعمى فهو مكروه في الإسلام لما يترتب عليه من عدم تمييز بين الخير والشر والحق والباطل والصالح والطالح، والإنسان قد يتوصل إلى أشياء مفيدة ونافعة نتيجة اجتهاداته الشخصية وتقليده في هذه الحالة مفيد، وكذلك يصبح تقليد القدوة الصالحة مسلكا مرغوبا في الإسلام حث عليه كمنهج سليم للتربية وضرب له مثل الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير. ومن الأمور العادية المعروفة أن الصغير يقلد الكبير والابن يقلد أباه والبنت تقلد أمها والتلميذ يقلد معلمه. والتقليد مهم إذن في التربية الخلقية وفي تزكية السلوك الرشيد. والتقليد يترسخ بالتقليد وهي نقطة هامة ينبغي أن تولي التريبة اهتمامها بها وأن تكون المدرسة نموذجا يقتدى للتقاليد الإسلامية السليمة.

<<  <   >  >>