للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومضللة. ولذلك جعل معرفة العقل حاكما ومسيطرا على معرفة الحواس يقول الغزالي: "فقالت المحسوسات: بم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات وقد كنت واثقا بي فجاء حاكم العقل فكذبني. ولولا حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقي".

بيد أن الغزالي يتشكك في المعرفة العقلية ويعتبر أن هناك نوعا من المعرفة يعلو فوق مستوى العقل، وهو يقول في ذلك "فلعل وراء إدراك العقل حاكما آخر إذا تجلى كذب العقل في حكمه كما تجلى العقل فكذب الحس في حكمه. وعدم تجلي ذلك الإدراك لا يدل على استحالته" ويرى الغزالي أن الشك الفلسفي هو الذي يوصلنا إلى أن المعارف العقلية والحسية لا تؤدي بنا إلى المعرفة اليقينية التي يسعى إليها الفيلسوف.

وابن حزم القرطبي "٣٨٤هـ - ٤٥٦هـ" يعلي من شأن العقل ويمجده ويقول: "من أبطل العقل فقط أبطل التوحيد إذ لولا العقل لم نعرف الله عز وجل" وهو يعتبر العقل والحواس مصدرين رئيسيين للمعرفة في الإسلام ويقول: "المعرفة تكون بشهادة الحواس بأول العقل ببرهان راجع من قرب أو من بعد إلى شهادة الحواس".

ومن الطريف أن بعض علماء المسلمين ومتكلميهم اهتم بالمفاضلة بين حاستي السمع والبصر فذهب فريق إلى القول بأن السمع أفضل من البصر لأن الإنسان يسمع من كل الجهات كما أنه يسمع في النور والظلمة على السواء. في حين أن الإنسان يبصر ما يراه أمام عينيه فقط ويقتصر إبصاره على النهار أو الضوء دون الليل أو الظلمة. وذهب فريق آخر هو أكثر المتكلمين إلى تفضيل البصر على السمع لأن البصر يدرك الأشياء كلها من أجسام وألوان وأشكال مختلفة في حين أن السمع يقتصر على إدراك الصوت والكلام فقط.

وهذه المفاضلة لا تعني بالطبع الاهتمام بحاسة وإغفال الأخرى وإنما تعني توضيح الأهمية النسبية لكلتا الحاستين كمصدرين هامين للمعرفة مع التسليم سلفا بأن كلتيهما تتساويان في الأهمية ولا غنى للإنسان عنهما في اكتساب المعرفة.

<<  <   >  >>