للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيد أن المعرفة المستمدة من الحواس يكون مجال الاتفاق عليها عادة أكثر من تلك المستمدة من العقل. وعلى الرغم من أننا نعتمد على حواسنا بالنسبة لمعرفتنا المتعلقة بالحياة اليومية، فإن هذه الحواس تخدعنا في بعض الأحيان. كما هو الحال في المثال التقليدي الخاص بالعصا التي تبدو منحنية في الماء. ولكن يتضح أنها مستقيمة عندما تقوم بلمسها. ولقد تؤثر أيضا في انحيازاتنا في طريقة رؤيتنا.. ففي بعض الأحيان نرى ما نحب رؤيته، لا ما هو واقع بالفعل. ولقد نقل دقة حواسنا أكثر فأكثر بسبب العوارض التي تطرأ على الإنسان ومنها المرض أو بسبب بعض العناصر المؤثرة كالبرد والضباب والحرارة والصوت. ومع هذا فإن للحواس دورها الخاص الذي تلعبه في تشكيل المعرفة.

ويرتبط منهج العلم ارتباطا وثيقا بهذا الجانب بالذات من نظرية المعرفة، وذلك لأن العلم الحديث تجريبي. والعلوم التجريبية أو الطبيعية تُعنى بدراسة عالم الأشياء المحسوسة أو عالم المادة وهي تبحث في الأشياء الواقعة تحت التجربة أو الذرات فإن العلم التجريبي يستطيع أن يفسرها بغيرها. والعقل يدخل في دراسة هذه العلوم. فالأصوات والألوان وما شابهها تتوقف على عقل الشخص المدرك لها. فعندما نرى لون ماء البحر أزرق أو السماء زرقاء فهذا لا يعني أن الزرقة صفة موجودة في ماء البحر. وشكل السماء، وإنما هو إحساس "بهذا اللون مرهون بفعل المادة وتأثيرها. فإدراك الألوان أو الأصوات أحوال ذاتية للشخص المدرك وليست جزءا من الطبيعة. يقول محمد إقبال "ص٥٢":

إن ما نسميه بالعلم ليس نظرة واحدة متسقة للحقيقة، بل هو مجموعة من النظرات الجزئية لها. فالعلوم الطبيعية تبحث في المادة وفي الحياة وفي العقل، ولكنك إذا سألت عن كيفية العلاقة المتبادلة بين هذه الأمور الثلاثة وهي المادة والحياة والعقل أخذت تتجلى لك عند ذلك جزئية العلوم المختلفة التي تتناول البحث فيها، وتبين لك عجز كل واحد منها عن أن يجيب وحده عن سؤالك إجابة شافية". فكل علم من العلوم يدرس جزءا من الحقيقة وجانبا منها. وهكذا نرى أن العلوم الطبيعية أو التجريبية جزئية بطبيعتها.. وهي لا تستطيع أن تقيم

<<  <   >  >>