للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قيل: إن لفظ "التأبيد" لم يجيء إلا مع الكفر, وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً, يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً, لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} ١. فلا ريب أن هذا يتناول الكافر الذي لم يؤمن بالرسول. وسبب نزول الآية كان في ذلك, فإن الظلم المطلق يتناول ذلك ويتناول ما دونه بحسبه.

فمن خال مخلوقا في خلاف أمر الله ورسوله, كان له من هذا الوعيد نصيب, كما قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} ٢, وقال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَاب} ٣. قال الفضيل بن عياض: حدثنا الليث عن مجاهد: هي المودات التي كانت بينهم لغير الله, فإن المخالة تحاب وتواد, ولهذا قال: "المرء على دين خليله" , فإن المتحابين يحب أحدهما ما يجب الآخر بحسب الحب, فإن اتبع أحدهما صاحبه على محبته ما يبغضه الله ورسوله, نقص من دينهما بحسب ذلك إلى أن ينتهي إلى الشرك الأكبر, قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} ٤.

والذين قدموا محبة المال الذي كنزوه, والمخلوق الذي اتبعوه, على محبة الله ورسوله, كان فيهم من الظلم والشرك بحسب ذلك. فلهذا ألزمهم محبوبهم كما في الحديث, يقول الله تعالى: " أليس عدلا مني أن أولي كل رجل منكم ماكان


١- الآيات ٢٧-٢٩ الفرقان.
٢- الآية ٦٧ الزخرف.
٣- الآية ١٦٦ البقرة.
٤- الآية ١٦٥ البقرة.

<<  <   >  >>