للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما آيتا النساء قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ١ فلا يجوز أن تكون في حق التائبين, كما يقوله من يقوله من المعتزلة, فإن التائب من الشرك يغفر له الشرك أيضا بنصوص القرآن واتفاق المسلمين. وهذه الآية فيها تخصيص وتقييد, وتلك الآية فيها تعميم وإطلاق, هذه خص فيها الشرك بأنه لا يغفر, وما عداه لا يجزم بمغفرته, بل علقه بالمشيئة فقال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} .

وقد ذكرنا في غير موضع أن هذه كما ترد على الوعيدية من الخوارج والمعتزلة, فهي ترد أيضا على المرجئة الواقفية الذين يقولون: "يجوز أي يعذب كل فاسق فلا يغفر لأحد, ويجوز أن يغفر للجميع فإنه قد قال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فأثبت أن ما دون ذلك فهو مغفور لكن لمن يشاء, فلو كان لا يغفره لأحد بطل قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} ولو كان يغفره لكل أحد بطل قوله: {لِمَنْ يَشَاءُ} فلما أثبت أنه يغفر ما دون ذلك وأن المغفرة هي لمن يشاء جدل ذلك على وقوع المغفرة العامة مما دون الشرك, لكنها لبعض الناس.

وحينئذ فمن غفر له لم يعذب, ومن لم يغفر عذب, وهذا مذهب السلف والصحابة والأئمة, وهو القطع بأن بعض عصاة الأمة يدخل النار وبعضه يغفر له, لكن هل ذلك على وجه الموازنة والحكمة ولا اعتبار للموازنة؟ فيه قولان للمنتسبين إلى السنة من أصحابنا وغيرهم, بناء على أصل الأفعال الإلهية هل يعتبر فيها الحكمة والعدل. وأيضا فمسألة الجزاء فيها نصوص كثيرة دلت على الموازنة, كما بسط في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا أن قوله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ


١-الآية٤٨ سورة النساء.

<<  <   >  >>