للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} ١ فيه نهي عن القنوط من رحمة الله وإن عظمت الذنوب وكثرت فلا يحل لأحد أن يقنط من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه, ولا أن يقنط الناس من رحمة الله. قال بعض السلف إن الفقيه كل الفقيه الذي لا ييئس الناس من رحمة الله, ولا يجرئهم على معاصي الله.

والقنوط يكون بأن يعتقد أن الله لا يغفر له. إما لكونه إذا تاب لا يقبل الله توبته ويغفر ذنوبه, وإما بأن يقول نفسه لا تطاوعه على التوبة, بل هو مغلوب معها, والشيطان قد استحوذ عليه, فهو ييأس من توبة نفسه: وإن كان يعلم أنه إذا تاب غفر الله له, وهذا يعتري كثيرا من الناس. والقنوط يحصل بهذا تارة وبهذا تارة: فالأول كالراهب الذي أفتى قاتل تسعة وتسعين أن الله لا يغفر له فقتله وكمل به مائة. ثم دل على عالم فأتاه فسأله فأفتاه بان الله يقبل توبته. والحديث في الصحيحين. والثاني كالذي يرى للتوبة شروطا كثيرة, ويقال له لها شروط كثيرة يتعذر عليه فعلها فييأس من أن يتوب.

وقد تنازع الناس في العبد هل يصير في حال تمتنع منه التوبة إذا أرادها, والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن التوبة ممكنة من كل ذنب, وممكن أن الله يغفر له, وقد فرضوا في ذلك من توسط أرضا مغصوبة, ومن توسط جرحى فكيف ما تحرك قتل بعضهم, فقيل هذا لا طريق له إلى توبة, والصحيح أن هذا إذا تاب قبل الله توبته.

أما من توسط الأرض المغصوبة فهذا خروجه بنية تخلية المكان وتسليمه إلى مستحقه ليس منهيا عنه ولا محرما, بل الفقهاء متفقون على أن من غصب دارا وترك فيها قماشه وماله إذا أمر بتسليمها إلى مستحقها فإنه يؤمر بالخروج منها, وبإخراج أهله وماله منها, وإن كان ذلك نوع تصرف فيها, لكنه لأجل


١-الآية ٥٣ الزمر.

<<  <   >  >>