للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان المسلم متأولاً في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك كما قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه قد شهد بدرا, وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟ " ١ وهذا في الصحيحين. وفيهما أيضا: من حديث الإفك: أن أسيد بن حضير قال لسعد بن عبادة: إنك منافق تجادل عن المنافقين, واختصم الفريقان فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهم. فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم: إنك منافق, ولم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم لا هذا ولا هذا, بل شهد للجميع بالجنة.

وكذلك ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قتل رجلا بعدما قال لا إله إلا الله وعظم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما أخبره وقال: "يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ " ٢ وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ. ومع هذا لم يوجب عليه قودا, ولا دية, ولا كفارة, لأنه كان متأولا ظن جواز قتل ذلك القائل ظنا أنه قالها تعوذا.

فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل وصفين ونحوهم وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ٣ فقد بين الله تعالى


١-البخاري: كتاب التفسير/ تفسير سورة الممتحنة.
مسلم: كتاب فضائل الصحابة/ باب من فضائل أهل بدر وفيه قصة حاطب في فتح مكة.
٢- مسلم: كتاب الإيمان/باب تحريم قتال الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله.
وكذلك أخرجه أبو داوود الطيالسي (١/٢٣٧/ منحة المعبود) .
٣- الآية ٩ الحجرات.

<<  <   >  >>