للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من قال: إنها ما اتفقت فيها الشرائع –أعني تحريمها- أو أنها ما تسد باب المعرفة بالله؟ أو أنها ما تذهب الأموال والأبدان؟ أو أنها إنما سميت كبائر بالنسبة والإضافة إلى ما دونها؟ أو أنها لا تعلم أصلا, وأبهمت كليلة القدر؟ أو ما يحكي بعضهم أنها إلى التسعين أقرب, أو كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة, أو أنها ما رتب عليها حد, أو ما توعد عليها النار؟

فأجاب:

الحمد لله رب العالمين. أمثل الأقوال في هذه المسألة القول المأثور عن ابن عباس, وذكره أبو عبيد, واحمد بن حنبل, وغيرهما وهو أن الصغيرة ما دون الحدين: حد الدنيا, وحد الآخرة. وهو معنى قول من قال: ما ليس فيها حد في الدنيا. وهو معنى قول من قال: كل ذنب ختم بلعنة, أو غضب, أو نار, فهو من الكبائر.

ومعنى قول القائل: وليس فيها حد في الدنيا, ولا وعيد في الآخرة, أي "وعيد خاص" كالوعيد بالنار, والغضب, واللعنة. وذلك لأن الوعيد الخاص في الآخرة كالعقوبة الخاصة في الدنيا. فكما أنه يفرق في العقوبات المشروعة للناس بين العقوبات المقدرة بالقطع, والقتل, وجلد مائة, أو ثمانين, وبين العقوبات التي يعزر الله بها العباد –في غير أمر العباد بها- بين العقوبات المقدرة: كالغضب, واللعنة, والنار. وبين العقوبات المطلقة.

وهذا "الضابط" يسلم من القوادح الواردة على غيره, فإنه يدخل كل ما ثبت في النص أنه كبيرة: كالشرك, والقتل, والزنا, والسحر, وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. وغير ذلك من الكبائر التي فيها عقوبات مقدرة مشروعة, وكالفرار من الزحف, وأكل مال اليتيم, وأكل الربا, وعقوق الولدين, واليمين الغموس, وشهخادة الزور, فإن هذه الذنوب وأمثالها فيها وعيد خاص, كما قال في الفرار من الزحف: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى

<<  <   >  >>