للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محالا في سفينة، فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟ ... " ١. وقد تقدم قول الإمام أبي حنيفة وفيه: " ... لما يرى من خلق السموات والأرض وخلق نفسه وسائر خلق ربه".

فجمع الإمام أبو حنيفة في كلامه هذا بين دلالتي الأنفس والآفاق.

وهذا المسلك الذي سلكه الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الاستدلال على الله تعالى بمخلوقاته وآثاره فطري لا يحتاج إلى تعليم واكتساب، يعرفه الحضري في حاضرته، والبدوي في باديته، لا يختلف فيه اثنان، بل قد استدل به الأعرابي حينما سئل عن الله فقال: "البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، أفلا تدل على الصانع الخبير" ٢.

وهو كذلك مسلك شرعي دعا إليه القرآن كما في قوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} "سورة الذاريات: الآيتان ٢٠-٢١".

فالأرض وما فيها من جبال وأنهار وأشجار ونبات تدل المتفكر فيها المتأمل لمعانيها على عظمة خالقها وسعة سلطانه وكذلك في نفس العبد من العبر والحكمة ما يدل على أن له خالقا حكيما.

فالبشر على كثرتهم، خلقهم الله من نفس واحدة هي نفس آدم، قال تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} "سورة الزمر: الآية٦".


١ شرح العقيدة الطحاوية ص٢٥، ٢٦؛ وشرح الفقه الأكبر للقاري ص١٤.
٢ البيان والتبيين ١/١٦٣.

<<  <   >  >>