أما كيفية خلقهم فهو طور بعد طور، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما، خلقهم في مكان ضيق، في بطون أمهاتهم، في ظلمات ثلاث.
فإذا تقرر أن الله واحد في خلقه وملكه لا شريك له؛ فهو واحد في ألوهيته لا شريك له.
هذا وقد ذكر الله تعالى دلالتي الأنفس والآفاق في آية واحدة كما قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}"سورة فصلت: الآية٥٣".
يقول مؤلف كتاب إيثار الحق على الخلق شارحا الآية وما تدل عليه من معان:"وقد جمع الله تعالى دلالتي النفوس والآفاق في ـ هذه الآية {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا} الآية ـ وذلك أنا نعلم بالضرورة وجودنا أحياء قادرين ناطقين سامعين مبصرين مدركين بعد أن لم نكن شيئا، وأن أول وجودنا كان نطفة قذرة مستوية الأجزاء والطبيعة غاية الاستواء بحيث يمتنع في عقل كل عاقل أن يكون منها خلق بغير صانع حكيم" إلى أن قال: "وبيانه أنه خلق من نطفة قذرة مستوية الطبيعة فكيف يكون منها ما يبصر، ومنها ما يسمع، ومنها ما يطعم، ومنها ما يشم، ومنها الصلب ومنها الرخو، ومنهم من يمشي على بطنه، ومنهم من يمشي على رجلين، ومنهم من يمشي على أربع، كما نبّه الله عليه في كتابه الكريم. ونعلم أنها قد تغيرت بنا الأحوال وتنقلت بنا الأطوار تنقّلا عجيبا، فكنا نطفة ثم علقة ثم مضغا ودما ثم عظاما صلبة متفرقة في ذلك اللحم والدم وتقويهما وعصبا رابطة بين تلك العظام صالحة لذلك الربط لما فيها من القوة والمتانة، ثم تركب من ذلك آلات وحواس حية موافقة للمصالح..ثم انظر إلى موضع العينين ما أشبهها بهما بعيدا مما يؤذيها مرتفعا للتمكن من إدراك المبصرات في الوجه الذي لا يحتاج إلى تغطية باللباس من الجمال البديع فيهما، ولو